مجددًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، السابق لواجهة الأحداث بعد توقيع 6221 ضابطاً متقاعدًا على عريضة طالبوا فيها وزير الحرب، بيني غانتس بتشكيل لجنة تحقيق رسمية بقضية الغواصات الألمانية، التي اشترتها إسرائيل فيما مضى، وكانت محل جدل واسع في الأوساط القضائية والسياسية والأمنية الإسرائيلية، بيد أن المتهم بثلاث قضايا فساد تحت الأرقام (1000 و 2000 و 3000) تمكن عبر المماطلة والتسويف، والتهديد والترهيب، والشد والرخي من الالتفاف على تشكيل لجنة تحقيق ضده في قضية الغواصات.
لكن قطاعات واسعة داخل المستويات العسكرية والسياسية والقضائية لم يبلعوا طعم نتنياهو، ورفضوا الاستسلام لمشيئته، وزادهم ثقة بالذات خروجه من رئاسة الحكومة، فعادوا مرة ثانية لطرح القضية، التي لن يقتصر تقديمها لوزير الجيش الإسرائيلي، بل سيتم تقديمها أيضًا لوزير القضاء، جدعون ساعر، الذي لم يكن بعيدًا عن القضية، لا بل أثارها قبل توليه حقيبة "القضاء"، كما أنه اتفق مع غانتس على إجراء نقاش جدي بشأن القضية المذكورة داخل الحكومة.
ووفق ما نشرته القناة الإسرائيلية (13) أن من بين الموقعين على العريضة آنفة الذكر ثلاثة رؤساء أركان سابقين، هم: ايهود باراك، موشية يعلون، ودان حالوتس، و31 جنرالاً بمن فيهم: عاموس يدلين، وأدي آدم، وأهارون زئيفي فركش، ويوم طوف سامية، وداني روتشيلد، و 138 عميدًا و471 ضابطًا كبيرًا بدرجات متفاوتة. وهو ما يعكس أهمية وثقل العريضة، وتأثيرها على أركان حكومة بينت لبيد، الذين لا يبتعدون كثيرًا عن رؤية العريضة، وبالتالي فإن المذكرة جاءت لتحك على جرب وزراء حكومة التغيير، وقدمت لهم غطاء، وتعفيهم من الحرج، وتمنحهم مساحة من الموضوعية النسبية.
وفي هذا السياق، قال الضباط الموقعون على العريضة، أن قضية الغواصات ترتبط بقضايا أمنية واستراتيجية لإسرائيل، وعليه يجب التحقيق فيها، والتحقق منها بدقة، وحسم الجدل بشأنها. كما وشددت العريضة، على أن تشكيل لجنة تحقيق رسمية فقط "ستؤدي إلى الوصول إلى الحقيقة، وتزيل الغمامة عن أخطر قضية أمنية عرفتها إسرائيل".
وأثناء تسلمه العريضة شكر وزير الحرب، غانتس الموقعين على العريضة، وأكد أمامهم على إلتزامه بإقامة لجنة تحقيق رسمية". وأضاف أمامهم "ليس لأنني أعرف ماذا ستكون استنتاجاتها، إنما لأن الوضع حساس وعميق جدا، وتم التحدث عنه أكثر من اللازم".  ولنلاحظ ما قاله بيني للضباط "لأني أعرف ماذا ستكون استنتاجات لجنة التحقيق"، كونه من الذين أثاروا القضية أثناء شراكته الحكومة السابقة مع زعيم الليكود الفاسد. ولكن نتنياهو أحبط خيار تشكيل اللجنة آنذاك. وبالتالي فإن زعيم حزب "أزرق أبيض" مقتنع قناعة راسخة، بأن رئيس حكومة الشراكة السابق متورط في قضية فساد خطيرة، تمس أمن دولة الاستعمار الإسرائيلية، ولحسم الجدل تفرض الضرورة تشكيل اللجنة.
ومما نقل عما صرح به مقدمو المذكرة أثناء لقائهم غانتس، قالوا "5  من المسؤولين الأمنيين من الفترة السابقة المرتبطة بالقضية وقعوا على إقرارات للمحكمة تصف أفعالاً (لرئيس الوزراء السابق) لا تليق، وكانوا شهودًا عليها بشكل شخصي، وهذا أمر غير مسبوق في الدولة، ولا يمكن التحقيق فيه بأكثر الطرق شمولية إلا عبر ومن خلال لجنة تحقيق. وحدها لجنة التحقيق الرسمية تملك الصلاحيات الواسعة للوقوف على كافة الجوانب ذات الصلة بالغواصات، واستعادة ثقة الجمهور، وتزيل الغموض والضبابية عن قضية الفساد الأمنية الأخطر، التي عرفتها إسرائيل".
إذًا، في ضوء المثار، والجدل الذي لم يهدأ حول القضية المذكورة، فإن يد الحكومة الطولى، وأصحاب المصلحة الشخصية والعامة مقبلون على تشكيل لجنة تحقيق رسمية بصلاحيات واسعة لنبش كل تفاصيل وجوانب قضية الغواصات، التي يعتقد غانتس وساعر ويعلون وبينت ولبيد وغيرهم بأن الملك الفاسد، نتنياهو متورط فعلاً في الفساد الأخطر، وبالتالي قناعتهم لا تقوم على الكيدية والانتقام، وفق ما لديهم من معطيات، إنما يفترضون أن كشف الحقيقة يعيد الاعتبار لمكانتهم الشخصية والوظيفية، ولدور القضاء، الذي انتهكه المقيم في قيساريًا انتهاكًا غير مسبوق، أضف لذلك، أن قضية الفساد في الغواصات ستكون بمثابة الضربة القاضية للرجل، الذي يمني النفس بالعودة في أقرب وقت لكرسي الحكم، وإسدال الستار كليًا على دوره السياسي والحزبي في الليكود والمجتمع الصهيوني، وإدخاله السجن هذه المرة لأمد طويل، قد يحول حياته لجحيم، وقادم الأيام كفيل بالإجابة عن سياق التطورات.