عند حدوث كارثة هنا أو هناك في دول العالم نتضامن تلقائيًا مع الشعوب المنكوبة دون النظر لأيّة اعتبارات سياسية، لأن  التكافل والتعاضد مع الشعوب المكلومة والمتضررة من الأعاصير أو الحرائق أو الكوارث يتجاوز كل الحسابات الصغيرة، ويعلو ويرتقي البعد الإنساني الأعمق من كل التفاصيل، ويتجلى التسامح والقيم الأخلاقية فوق كل الصغائر.

فما بال الإنسان عندما يكون المصاب والكارثة في أوساط أبناء الشعب الواحد، في أبناء جلدتنا وأهلنا وأشقائنا في جزائر المليون ونصف المليون شهيد، الجزائر الأبية، الواقفة مع فلسطين دون تردد أو تلعثم قيادة وجيشًا وشعبًا بكل تلاوينه ومشاربه الفكرية والسياسية والثقافية، من القبائل وغير القبائل، جزائر العرب وأفريقيا ودول عدم الانحياز، جزائر الحرية والكرامة والعدالة فإن المصاب يكون بليغًا وعميقًا، وجرحًا في الكف الفلسطيني والعربي.

منذ يوم الإثنين الماضي والحرائق تنتشر في منطقة القبائل شمالي البلاد، ووصلت حتى أمس الأربعاء إلى 99 حريقًا في 16 ولاية جزائرية حتى الآن، نجم عنها حسب المصادر الأمنية الرسمية عن 65 ضحية، من بينهم 28 عسكريًا، و37 مواطنًا مدنيًا، أغلبهم من ولاية تيزي وزو. وما زال هناك 12 عسكريًا في حالة حرجة في المستشفيات. وطالت تلك الحرائق مئات وآلاف الدونمات والهكتارات من الغابات والأشجار الحرشية وشجر الزيتون في كل من تيزي وزو، التي بلغ عدد الحرائق فيها 25 حريقًا، والطارف 14 حريقًا، وجيجل 12 حريقًا، بجاية 12 حريقًا، سكيكدة 9 حرائق، وبوفرداس 4 حرائق، المدية 3 حرائق، البليدة 3 حرائق، سطيف 3 حرائق، عنابة والبويرة حريقين، وحريقًا واحدًا في كل من قسنطينة، قالمة، تبسة، سوق اهراس وتبيازة. التي لا تقتصر آثار الحرائق فيها على الأحراش والزيتون، وإنما على الثروات المختلفة للبلاد، وقبل كل ذلك على سكان الولايات المذكورة، وتؤثر على اقتصاداتها، وعلى السياحة الداخلية والخارجية، وعلى العملية التعليمية وغيرها من مجالات الحياة.

كما ذكرت آنفا عرضت تلك الحرائق حياة المواطنين الجزائريين وممتلكاتهم للخطر، وما زالت آثارها تتداعى، ولم يتم إجمال حجم الخسائر في الأرواح والممتلكات والغابات الحرشية، ولا في أثارها المعنوية والمناخية. مع ذلك شعب الجزائر صاحب الإرادة الفولاذية قادر بكل فئاته وشرائحه الاجتماعية وبالاعتماد على قواته المسلحة من التصدي للحريق، والنجاح في إخماد نيرانه عبر وبالاستناد لعملية التكافل الاجتماعي والوطني بين مكونات شعب الشهداء البطل.

ولإدراك القيادتين السياسية والعسكرية والأمنية لخلفيات بعض قوى الشر، فإن أعين قادة وزارة الدفاع الوطني وأجهزة الأمن في الولايات المختلفة لم تنم عن الأيدي المجرمة المتورطة في إشعال الحرائق عن سابق عمد وإصرار، ووفق بيان صادر عن وزارة الدفاع فقد تمكنت ولاية المدية من اعتقال 3 أشخاص يشتبه في تورطهم. كما أعلنت الوزارة عن اعتقال اشخاص اعترفوا بتورطهم في التسبب بحرق بعض الأحراش في تيزي وزو. وما زالت أجهزة الدولة تتابع ملاحقة الفاعلين في الولايات الـ 16 المختلفة.

ومن خلال المتابعة للتطورات الخطيرة نتاج الحرائق، ووفقا لما أعلنته وزارة الدفاع، فإن الكارثة لم تكن نتاج عوامل الطبيعة، إنما بفعل فاعل، أيد مخربة، شاءت أن تحرق الجزائر من الداخل ولحسابات معادية، أو لنزعات انتقامية كيدية رخيصة وجبانة، تستهدف الجزائر شعبًا وحكومة ومؤسسات ووحدة وطنية، وتعمل على حرق خيرات البلاد، وتلويث هوائها ومناخها وطبيعتها الخضراء الجميلة لأهداف تتنافى مع أبسط المعايير الأخلاقية والإنسانية والقيمية والوطنية.

في هذا المصاب الكارثي تقف فلسطين شعبًا وقيادة ومؤسسات وبمختلف تلاوينها وقطاعاتها موحدين إلى جانب الجزائر الشعب والسيد الرئيس والقيادة والجيش والقوى الوطنية والقومية والديمقراطية، وتعلن تضامنها المطلق مع الجزائر البطلة، وكل من موقعه كفلسطيني مستعد إذا أتيحت له الظروف الذهاب لإطفاء الحرائق، أجزم أنه سيذهب دون تردد، وبعيدًا عن أيّة حسابات شخصية أو حزبية؛ لأن الجزائر وشعوب المغرب العربي الكبير لها مكانة خاصة في أوساط الشعب الفلسطيني، ولا يمكن لفلسطين إلا أن تكون في صف الشعوب الشقيقة وسندًا لها، لأنها كانت وما زالت حاضنة للشعب والقضية الفلسطينية.