يظهر استطلاع أجرته مؤخرًا  منظمة "جي ستريت" اليهودية الأميركية الليبرالية، أن معظم اليهود الأميركيين لم تعد إسرائيل هي الهاجس أو من يتحكم بتوجهاتهم وقرارهم عندما يصوتون في الانتخابات الرئاسية.

ويشير الاستطلاع إلى أن 5% فقط من اليهود الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة كانت إسرائيل جزءًا من هواجسهم، أما ما تبقى فقد كانت أمور حياتهم الاقتصادية وجائحة الكورونا، هي الهاجس. وما يمكن فهمه من استطلاع "جي ستريت" أن اهتمام اليهود الأميركيين باسرائيل يتآكل مع مرور الوقت.. هل هذا يعني أن هؤلاء اليهود قد أداروا ظهرهم لإسرائيل؟

للإجابة عن هذا السؤال لابد من آخذ بعض الملاحظات المهمة، أولى هذه الملاحظات أن اليهود الأميركيين لا يشعرون بالقلق حيال إسرائيل، فهي لا تتعرض لأي خطر وجودي، بل على العكس من ذلك، فهي في أكثر المراحل راحة وأمنًا، وهي تعمل على فرض هيمنتها على المنطقة أكثر وأكثر، عبر اتفاقيات التطبيع مع دول عربية، وفي ظل دمار الأخرى.

أما الملاحظة الثانية، فهي أن قسمًا كبيرًا من يهود أميركا، خصوصًا من أنصار الحزب الديمقراطي، باتوا ينظرون إلى إسرائيل في ظل حكم نتتياهو، أنها دولة رجعية يسيطر عليها اليمين واليمين المتطرف، وبالتالي هي غير جاذبة لهم ولا تعتبر نموذجًا جيدًا.

أما الملاحظة الثالثة، فهي أن يهود أميركا، وبحكم واقع الحياة اليومية، هم أكثر إهتمامًا بأمور معيشتهم، وفي النهاية كأي مواطن أميركي وبغض النظر عن هواجسهم خارج الحدود، فانهم يهتمون بمستوى المعيشة بالأمن الوظيفي والاقتصاد والبيئة. فالشاب اليهودي الأميركي ما الذي يشغله؟

ولتوضيح الموضوع أكثر نعود لاستطلاع "جي ستريت" لنلاحظ أن 78% من هؤلاء اليهود قد صوتوا للمرشح الديمقراطي جو بايدن، و22% فقط قد صوتوا للرئيس ترامب بالرغم من كل ما قدمه لإسرائيل. فالغالبية العظمى من اليهود الأميركيين الشباب قد صوتوا لبايدن، الأمر الذي يشير إلى اهتماماتهم الحياتية أكثر من إسرائيل.

هناك ثلاثة اتجاهات رئيسة بين اليهود الأميركيين، الأول، هو يميني يلتف حول اللوبي الأميركي الإسرائيلي، وهؤلاء يدعمون إسرائيل بكل الأحوال، ويدعمون كل مطالبها من الولايات المتحدة، وهم الاقرب لنتنياهو واليمين الإسرائيلي، وبالتأكيد هم الـ 22% الذين صوتوا لترامب. وهناك اتباع "جي ستريت" وغالبيتهم من الشباب، وهو اتجاه لبرالي وسطي أقرب للحزب الديمقراطي، ويؤيد السلام الفلسطيني الإسرائيلي ومبدأ حل الدولتين. وهو يؤيد إسرائيل ولكن ليس اليمين الإسرائيلي. وأخيرًا هناك اتجاه أقل وزنًا وهم عبارة عن مجموعات يسارية أقرب لحركة (السلام الآن) في إسرائيل، هذا الاتجاه ضد الاستيطان ومع دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، ويدعمون حركة المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية في المستوطنات، ومقاطعة بضائع المستوطنات.

إذًا نحن أمام واقع يحصل فيه نوع من الانفصال بين معظم يهود أميركا وإسرائيل، ولكن لا يمكن أن يصل إلى درجة إدارة الظهر لها، خصوصًا إذا ما تعرضت لأي خطر وجودي. كما يجب ألا نغفل عن حقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية هي صاحبة المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة، لذلك فان هؤلاء اليهود بالنسبة لاستراتيجية واشنطن هم الوقود الأساسي لمشروعهم، لذلك من الصعب الفصل التام بين يهود أميركا وإسرائيل، إنما من واجبنا ملاحظة المتغيرات ومحاولة الاستفادة منها لما فيه مصلحتنا.