رحل أمس الصحفي البريطاني الكبير المختص بشؤون الشرق الأوسط روبرت فيسك، وهو الذي عمل في المنطقة مراسلًا لصحيفة الاندبندنت لعدة عقود. وفيسك من بين الأسماء الصحفية البريطانية الكبيرة الذي تركت بصمة كبيرة في الصحافة البريطانية وفي صياغة الرأي العام، وحتى في صياغة المواقف الرسمية حيال قضايا الشرق الأوسط. وأهمية فيسك أنه لم يكن يؤمن بالحياد بحجة المهنية والموضوعية الكاذبة، فقد فهم المنطقة وقضاياها وانحاز لمنطق العدل ورفض بالمقابل النظرة الاستشراقية الاستعمارية للعرب والشرق.

وإلى جانب معرفتي الشخصية القصيرة به، وعندما قرأت سيرته بالأمس وجدت أنني وهو قد كنا في نفس الزمان والمكان والأحداث. في عدة دول في المنطقة، وخصوصًا في لبنان في سبعينيات القرن الماضي. ولعل فيسك إلى جابب الصحفي البريطاني الاخر المخضرم ديفيد هيرست، من أكثر الصحفيين البريطانيين دفاعًا عن عدالة القضية الفلسطينية وضد السياسات الإسرائيلية العدوانية والتوسعية، لذلك كان كلاهما منتقدًا باستمرار من قبل إسرائيل.

وأذكر عندما كان فيسك أو هيرست يوجهان نقدًا لبعض المواقف للقيادة الفلسطينية  وبعض المواقف لرؤساء عرب،  كان البعض يلجأ لنظرية المؤامرة ويحاول التشكيك بهما بأنهما قد يكونان يعملان لصالح أجهزة المخابرات البريطانية. أن أصحاب هذه النظرة لا يؤمنون بأن هناك صحافيين يمكن أن يتصفوا بالنزاهة ، وأنهم يبنون مواقفهم وآراءهم انطلاقًا من قناعاتهم الذاتية ومن تجربتهم المباشرة في ميدان العمل.

وأذكر أيضًا أنه عندما كان فيسك أو هيرست يكتبان ما يدعم وجهة نظر طرف ما، يصبحان في نظر هذا الطرف بأنهما مناصران للقضايا العربية. ما يغيب عن البعض أن فيسك وهيرست من ذلك النوع القوي من الصحافيين فواحدهم لا يجامل أحدًا، كما لا يحتاج أن ينافق لأحد، والدليل أنهما لم يرضخا للابتزاز الصهيوني والإسرائيلي وواصلا انحيازهما لمنطق العدل.

فيسك رحل وهيرست لا زال حيًا، وندعو له بطول البقاء، لأننا اليوم لا نرى من الصحفيين البريطانيين والأجانب من يواكب هذين الكبيرين، فهما لم يكتفيا ما يكتفي به معظم الصحافيين، بتغطية الاحداث والتعليق عليها، فهما أدركا أن الصحافة لا يمكن أن تغمض عينها عن الظلم، أو أن تتصرف بمنطق ازدواجية المعايير. وسواء اختلفت أو التقيت مع فيسك في بعض التفاصيل. إلا أنه كان صحفيًا مناصرًا للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة، وبالتأكيد أننا وخاصة من هم من جيلي من الصحفيين سنفتقد فيسك فلطالما كنا نقرأ ما يكتب وفي كثير من الأحيان كنا نقتبس مما يكتب ونحن ندافع عن الشعب الفلسطيني وعن قضيته العادلة، فكم كان مهمًا أن تستند لرأي صحفي غربي وأنت تواجه العدواتية الإسرائيلية، وفي جعبة فيسك كنا نجد الكثير.