لم يعد صحيحًا أن نطلق بعد الآن على وثيقة "آرثر بلفور" صفة الوعد، وبحكم أنه لم يكن في حقيقته وعدا، وإنما مقدمة لمخطط استعماري استهدف إنشاء دولة للحركة الصهيونية، على حساب فلسطين، أرضًا، ووطنًا، وشعبًا، ونحو شطبها من خارطة الوجود السياسي، والوطني، والإنساني، والحضاري...!!!

ما خطه بلفور، للحركة الصهيونية، ليس وعدًا بكل تأكيد، لأن الوعود تكون محمولة عادةً على بعدها الأخلاقي، ولا شيء من هذا البعد في وثيقة بلفور التي أسفرت عن جائحة لشعبنا الفلسطيني، جائحة النكبة التي ما زال يعاني منها حتى اللحظة!! ومئة وثلاث سنوات مرت على هذه الوثيقة وبمعنى حقبة تاريخية كاملة قد مرت عليها اليوم، وهي لا تزال لورثة صناعها، بلا مراجعة أخلاقية !! برغم الدم الفلسطيني الذي ما زال يسيل جراءها..!!

نعرف أن هناك أصواتًا بريطانية شجاعة تسعى لمحو خطيئة بلفور من السجل الاستعماري لبريطانيا العظمى، ونعرف ثمة مواقف حكومية للمملكة المتحدة تسعى اليوم لتوازن- ما زال سياسيًا على نحو دبلوماسي  حتى اللحظة - بكل ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن ذلك موقفها من الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، وتأييدها لحل الدولتين.

نعرف ذلك ونقدره، غير أننا نرى أن ما يجعل من هذه المواقف الحكومية، مواقف عملية، ومنتجة لتفعيل الحل العادل للقضية الفلسطينية، هو ما يضع وثيقة بلفور على طاولة النقد، والمراجعة، والمحاكمة تاليًا على الصعيدين الأخلاقي والسياسي، وهذا ما نقدر بأنه سينتج اعتذارًا لشعبنا عما ارتكبت وثيقة بلفور بحقه من ظلم عظيم وبقدر ما سيكون هذا الاعتذار بليغًا، بقدر ما سيسجل لبريطانيا كموقف حضاري وأخلاقي، يضفي على تاجها جوهرة جديدة.

وعلى بريطانيا أن ترى أن مئة وثلاث سنوات من وثيقة بلفور لم تستطع أن تشطب فلسطين من خارطة الوجود الواقعي، برغم كل محاولات الشطب والإلغاء، والتي لا تزال في سعيها المحموم، وخاصة اليوم عبر ما يسمى صفقة القرن، نقول لها أن ترى ذلك لتدرك الأهم وهو حيوية الشعب الفلسطيني وأصالته الحضارية، التي أجهضت غاية بلفور الأساسية، جعل فلسطين نسيًا منسيًا بعد أن فجر ثورته، وبلور كيانه السياسي في منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلا شرعيًا ووحيدًا له، وهذا يعني أن بقاء وثيقة بلفور دون محاكمة، ليس غير تجاهل لحقيقة الواقع، وهروب عبثي من الاعتراف بخطيئتها!!! ومئة وثلاث سنوات.. نحن هنا يا بلفور.