ماذا تنتظر قيادة حماس حتى تحرر مليوني مواطن في قطاع غزة من قبضتها الحديدية، ألا يرون وباء الكورونا زاحفًا ومتوغلاً في صحة المواطنين سرع من وتيرة حصار وعدوان منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري الإسرائيلي؟! حتى بات خطره أشد وأكثر فتكًا من خطر أسلحة جيش الاحتلال المدمرة، فهذه على الأقل يمكن رؤيتها والشعور بها ولدى المواطنين فرص لتفاديها، أما فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) فإنه قد أرغم دولاً كبرى وقوية على الجثو على ركابها ولقنها درسًا قويًا وألحق بها خسائر بشرية ومادية خلال فترة وجيزة تفوقت في بعضها على رقم أي خسارة في حروبها خلال عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية.

على سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة إدراك حقيقة مؤكدة وثابتة أن امتناعهم عن تسليم قطاع غزة وإعادته إلى الشرعية الفلسطينية وبسط القانون الفلسطيني عليه، وأنهم ما لم يمكنوا وزارات الحكومة الفلسطينية من أداء واجبها لخدمة المواطنين في القطاع، وتطبيق برنامجها وتنفيذ قراراتها باعتبارها الحكومة الشرعية الرسمية، وما لم يتقدموا خطوة إيجابية حاسمة ونهائية بعد حضور ممثليهم مع ممثلي الجهاد الاسلامي وغيرهما اجتماع القيادة الفلسطينية في مقر الرئاسة وموافقتهم على البيان الصادر عن الاجتماع بكل ما جاء فيه، فإنهم يجب أن يعلموا أن محكمة التاريخ لن ترحمهم، فهم بإصرارهم وعنادهم على قطع قطاع غزة عن الوطن يرتكبون جريمة تاريخية قد تفوق جريمة الانقلاب، فهذا الفيروس القاتل (كورونا) لا يعترف بالانتماء التنظيمي لفريسته، فيخترق ويفتك ويدمر جسد الإنسان، حيث لا تنفع معه الخطابات والشعارات التعبوية، ولا دعاية الانتصارات الخاوية، ونحن سنكون بلا ضمير إن سكتنا أو قبلنا بموت أحبابنا في غزة بنيران الاحتلال من ناحية وفيروس كورونا من ناحية ثانية، وبقهر وقمع وضغط مادي ونفسي فرضته سلطة حماس على المواطنين من ناحية ثالثة.

لقد أعطى الرئيس أبو مازن توجيهاته لرئاسة الحكومة لتعمل بكل طاقتها لإنقاذ أهلنا من خطر جائحة الكورونا بعد جملة أخبار وتقارير عن تسارع وتيرة تفشي الفيروس وارتفاع أرقام الإصابات والوفيات، وهذا القرار أقل ما يقال فيه إنه تعبير عن مكنونات الضمير الوطني الناظم لمنهج عمل القائد الرئيس المسؤول رقم واحد عن أحوال الشعب الفلسطيني، فعند أي خطر يحدق بالمواطن الفلسطيني ترحل الخلافات والصراعات الثانوية، وتقدم مصلحة المواطن وصحته وأمانه وسلامته إلى رأس الأولويات، فكيف والحال أن المواطن في قطاع غزة بات محصورا مشدودا عليه من أضلاع مثلث فيه زاويتان حادتان بالكاد فيهما مجال لأخذ نفس فيما يتمتع أصحاب النفوذ بالزاوية المنفرجة منه، فيذهبون بتوجهاتهم إلى أعلى درجات العبثية غير عابئين بمصير المواطنين المضغوطين بقوة الرعب من موتين –لا سمح الله- أحدهما حتمي: الأول نار الاحتلال والآخر فيروس الكورونا.

قد تنفع سلطة الأمر الواقع في غزة مفاوضاتها المباشرة وغير المباشرة عبر الوسطاء مع سلطات الاحتلال للوصول إلى وقفات لإطلاق نار بات واضحًا ارتباطه بحقائب أموال تعهدت الدوحة بتسليمها لهم شهريًا، ورغم أن هذا الأمر بات بمثابة علامة رديئة لكرامة الشعب الفلسطيني ولمعنى المقاومة الحقيقي، إلا أن اجتياح الفيروس الفتاك وبهذه السرعة لقطاع غزة المحسوب ضمن المناطق الأكثر كثافة سكانية في العالم، يقتضي من المسؤولين أصحاب القرار في حماس قرارا ودون تردد ودون مفاوضات أو نقاشات أو حوارات، التنحي جانبًا فوراً، وترك الأمور للحكومة لتقوم بواجباتها تجاه المواطنين، الذين سيدفعون ثمن سياساتهم ومواقفهم وحساباتهم الفئوية، وقد لا ينفع الندم بعد ذلك، وهنا نعتقد بوجوب تدخل الداعمين للمسؤولين في حماس لإقناعهم بانتهاز هذه الفرصة للنزول عن الشجرة فغزة في مثلث موت مبكر سيكون وصمة عار علينا كلنا إن لم نحم شعبنا من جشعه.