عندما تجول في أوساط المواطنين الفلسطينيين في الوطن والشتات وداخل الداخل ستلاحظ حالة عامة من الإحباط والسخط والاستياء، وفقدان الأمل بين الغالبية منهم. ولم يبلغ المواطن الفلسطيني هذة الحالة لرغبة شخصية، أو نتاج سخط مفتعل، أو انعكاسًا لنزوة، أو كنوع من جلد الذات، إنما له أسبابه الموضوعية والذاتية، منها: فقدان الأمل بالمسيرة السياسية؛ تعنت ورفض حكومات إسرائيل المتعاقبة لخيار السلام، ومواصلة خيار الاستعمار الاستيطاني والحرب على الشعب الفلسطيني ومصالحه؛ الانقسام والانقلاب الحمساوي على الشرعية، وإغلاق الطرق أمام عربة المصالحة؛ التراجعات والإنهيارات في المواقف الرسمية العربية، وإدارة الظهر عمليًا للقضية الفلسطينية؛ إنتقال إدارة ترامب الأميركية إلى الهجوم المباشر على الحقوق والمصالح الفلسطينية، وقطع كل خطوط التواصل مع القيادة الشرعية الفلسطينية؛ الأخطاء والعيوب والمثالب الداخلية الفلسطينية، فضلاً عن الأزمات المتعددة، التي يعيشها المشروع الوطني ... إلخ 

هذة العوامل ولدت القنوط والإحباط في أوساط العباد، لإستشعارهم أن مستقبل القضية بات في مهب الريح، وبسبب تسيد شعار وخطاب "وأنا مالي" و"من أين تؤكل الكتف" و"لحم كلاب في ملوخية" و"ساق الله على زمن الإدارة المدنية!" وهو ما يعني تمني البعض عودة الاستعمار كاملاً على كل الأرض الفلسطينية، وإسقاط خيار السلطة والدولة المستقلة، وغيرها من الشعارات والمقولات الهدامة. ولم يدرك أبناء الشعب العربي الفلسطيني، إنهم سقطوا في متاهة خطاب واستراتيجية العدو الصهيوني الاستعماري، الذي يرفض من حيث المبدأ وجود دولة فلسطينية بين البحر والنهر، وعلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، ويرفض كليًا حق العودة للفلسطينيين لوطنهم الأم تحت حجج وذرائع استعمارية مفضوحة، ويعمل بشكل منهجي ومدروس على تكريس خيار الترانسفير في أوساط الشعب، أو البقاء ك"عبيد" تحت بسطارهم الإستعماري. 

ولتعميق الأفكار الهدامة تقوم أجهزة الأمن الإسرائيلية، والإدارة الإستعمارية (المدنية) بانتاج وتعميم مقولات ومفاهيم خطيرة، ومتناقضة مع مصلحة الشعب، وتنشر الإشاعات المغرضة والمستهدفة لتهبيط وإستنزاف الروح المعنوية الفلسطينية، وضرب ركائز الإنتماء الوطني، وخلق مناج من التشاؤم، والتركيز على مفاهيم "بدنا نعيش" و"ما في حدا أحسن من حدا" وتضخيم الأخطاء والنواقص الموجودة، والضرب على وتر المناطقية والعشائرية والهويات القزمية، وتشويه صور الرموز الوطنية، والتقليل من الإنجازات والنجاحات، التي تحققها القيادة على أكثر من مستوى وصعيد، ويتم الضرب على المصالح النفعية الضيقة، بالإضافة لفتح أبواب العمل أمام الشباب الفلسطيني في المستعمرات الإسرائيلية، والسعي لإستدراجهم وإيقاعهم في حبائل الأجهزة الأمنية .. 

مما لا شك فيه أن الساحة الفلسطينية تعيش مرحلة معقدة وصعبة، وتشهد مخاطر جمة على أكثر من مستوى وصعيد، لكن كل ذلك لا يجيز لنا جميعًا وبشكل فردي كفلسطينيين أن نستسلم لمشيئة العدو الصهيو أميركي ومن لف لفهم من عرب وعجم ومن مدارس وفرق معادية للوطنية الفلسطينية، وللممثل الشرعي والوحيد، لأن وقوعنا في مستنقع الإحباط والقنوط والهزيمة، يضاعف من حجم وعمق الهزيمة، ولا يساعد الشعب على الخروج من وحولها ومثالبها. وبالتالي كل منا مطالب التمسك بالآتي: أولاً بالوطنية الفلسطينية، والإعتزاز بها، والإفتخار بأنه فلسطيني عربي؛ ثانيًا الدفاع بقوة ودون تردد أو تعلثم عن الممثل الشرعي والوحيد، منظمة التحرير وعن المشروع الوطني المتمثل بإستقلال دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 والقدس الشرقية عاصمة أبدية لها، وضمان حق العودة لكل اللاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194؛ ثالثًا الدفاع عن وحدة النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي الفلسطيني كثابت من الثوابت الوطنية، وعدم السماح للغة الانقسام والانقلاب من الترسخ في الوعي الجمعي الفلسطيني؛ رابعًا الرد على مقولات أجهزة الأمن الإسرائيلي وإدارته المدنية وموقعهم "بدنا نعيش"، بالتأكيد على حقنا في الحياة، ولكن لا نبادل ذلك بالتفريط بالمشروع الوطني، بل بتعميق التمسك بهويتنا وموروثنا التاريخي والحضاري؛ خامسًا الأخطاء والعيوب والنواقص الموجودة في الساحة بمختلف مستوياتها في أوساط الشعب، لا تلغي تمسكنا بحقوقنا ومصالحنا الوطنية، ولا بتخلينا عن ممثلنا الشرعي والوحيد. ونحن لسنا استثناءً بين الشعوب، فكل شعب فيه ما يكفيه من العيوب والمفاسد، وهذا لا يعني تبرير الأخطاء والخطايا، إنما شكل من أشكال المقاربة الواقعية مع شعوب الدنيا كلها؛ سادسًا التمسك الثابت بعدالة قضيتنا، وبمستقبل الشعب العربي الفلسطيني، المرهون بوعي وإدارك الأجيال الجديدة لمسؤولياتها تجاه نفسها وشعبها والأهداف الوطنية، وعدم الإنزلاق في متاهة ومستنقع برنامج "الشاباك" و"الموساد" والإدارة الاستعمارية أي كانت الملاحظات والاستياء من النواقص الداخلية. 

لكل ما تقدم، علينا كل من موقعه، وبغض النظر عن ملاحظاته على الوضع الداخلي، نشر الأمل داخل الذات الشخصية، وفي أوساط عائلته وجيله، وقطاع العمل الملتحق به، وحيثما ولى وجهه. لا بد من استنهاض الذات الخاصة وطرد غيوم الهزيمة، وتعزيز روح الشراكة الوطنية عبر ممارسة النقد الموضوعي والبناء لأيّة أخطاء أو نواقض، ودون الوقوع في مخططات العدو الصهيو أميركي. فلسطين تكبر بابنائها، وتعلو هامتها بتضحياتهم، وبنجاحاتهم، ووحدتهم، وكل من أبناء الشعب يمثل عنوانًا له اينما كان، ولكن تحت راية العنوان الأول الممثل الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية. فلسطين لنا، والمستقبل لنا، لا يجوز التفريط بهذة الحقائق مهما كانت تعقيدات المؤامرة.