من المعروف عن منطقة الشرق الأوسط بانها كالرمال المتحركة، مليئة بالأزمات، سريعة في متغيراتها، تحرق في الغالب أصابع المتدخلين فيها. هذا التوصيف لازم المنطقة منذ حملة نابليون في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، أي منذ أن بدأت الأطماع الاستعمارية تنهش في الجسد العربي.

الواقع الراهن هو خير مثال لهذا التوصيف، مع إضافة أننا نشهد موجة عنيفة من تكالب الدول الكبرى على المنطقة فالشرق الأوسط على مرجل يغلي يمكن أن ينفجر من إيران شرقًا الى إيطاليا غربًا. وبخصوص الأزمات، نلاحظ، الأزمة الإيرانية الأميركية وتمتد جغرافية هذه الازمة على كل الشرق الاوسط وحتى في مناطق عدة من العالم، وهناك الازمات العراقية والسورية واللبنانية والليبية واليمنية، بالإضافة الى الازمة التاريخية المتمثلة بالصراع الفلسطيني الصهيوني. وما جعل المنطقة أكثر تفجرًا هو اكتشاف كميات هائلة من الغاز في شرق البحر الابيض المتوسط، وهو عامل وعنصر من شأنه أن يقلب الاوضاع بالشرق الاوسط رأسا على عقب.

الشرق الأوسط بسبب العامل الجديد المتعلق بالغاز يتغير بسرعة وهو مرشح أن يتغير كثيرًا. تحالفات من نوع جديد انهارت معها المسلمات القديمة، تحالفات لا تعير القوانين والمواثيق الدولية أي اعتبار، تحالفات متوحشة تحركها مصالح متوحشة لا تحتاج الى قناع يخفي قباحتها. خلال ذلك نلاحظ أطرافا تتقاتل وتتصارع في سوريا، على سبيل المثال، نراها تتحالف في ليبيا وتتصارع مع حلفائها في سوريا. ونلاحظ أطرافًا عربية تتحالف علنا مع اسرائيل تحشد معها القوات ولم تعد تلتفت من قريب او بعيد لا إلى القضية المركزية للامة العربية ولا الى العمل العربي المشترك.

وفي شرق المتوسط يتم حشد الاساطيل ويتم بناء تحالفات تجمع عربا مع إسرائيل واليونان مقابل عرب مع تركيا. والدول الكبرى تحشد وتدير التحالفات من فوق لأنها تريد ان تقطف ثمرة الغاز أو الحصة الأكبر منه لها، فتقوم بتغذية الصراعات كل تلجأ لها كافة الاطراف المحلية لايجاد الحلول. وفي هذا السياق جاء انفجار مرفأ ببروت، وهذا الاهتمام الدولي المبالغ به في لبنان، فالساحل اللبناني، الذي يتوسط سواحل الشرق الأوسط أصبح مهمًا جدًا في هذا الصراع الجيوسياسي الخطير والذي قد يتحول إلى حرب كبرى في اية لحظة.

علينا أن ندرك أن الشرق الاوسط تغير كثيرًا وهو مرشح لمتغيرات كبيرة وواسعة، لن يعود فيها مكان للأطراف الأصغر حجمًا، كما ستحجم خلالها قوى إقليمية وتضخم اخرى كانت هامشية. وفي نظرة عميقة للواقع الراهن لا نجد مكانًا مضمونًا لأحد إلا بالقدر الذي يستطيع هذا الأحد ان يفرض نفسه بذكاء في مستقبل المنطقة. انها لحظة تاريخية صعبة ومعقدة، لحظة فارقة بالفعل، مع هذه اللحظة قد نحتاج إلى أن نفكر من خارج الصندوق القديم للشرق الأوسط بهدف ان نضمن لأنفسنا مكانا في الشرق الوسط الجديد، في المعادلات الحالية قد يكون لساحل فلسطين الجنوبي، ساحل قطاع غزة، اهمية اكبر من اهمية دول بعيدة عن الساحل، فهل يبقى هذا الساحل خارج الشرعية الوطنية والوحدة الوطنية.

الوحدة الوطنية مهمة، ولكن الأهم وحدة الجغرافيا في هذه المرحلة، فالسياسة فن الممكن، ولعل الشرق الأوسط خير مثال على هذا المفهوم.