موت بطعم مرير

    (المضمون: في قصر الرئاسة في دمشق لا بد شاهدوا صور جثة القذافي. طغاة الشرق الاوسط يطاح بهم، يحاكمون او يصفون الواحد تلو الاخر. لبشار الاسد ايضا لا يوجد الى أين المفر. واذا ما انتصرت الثورة السورية، فسيمر يوم طويل على جثته أيضا).

        يوم طويل مر على جثة معمر القذافي. تقارير أولية عن موت في المعركة استبدل بواقع مثير: صور حاكم خائف ونازف يجر ويتعرض للضرب من رجال مسلحين، وبعد ذلك النهاية المتوقعة – جثة شبه عارية ملقاة في سيارة تندر. الفيلم القصير الذي بث المرة تلو الاخرى في أرجاء العالم أثبت، دون ريب، بان الطعم السيء الذي ميزه في حياته انتقل بالوراثة الى أعدائه الأمر. صور اطلاق النار في الهواء واحتفالات النشوة حول سيارة التندر حيث جثة الطاغية كانت سابقة اخرى لموجة الثورات في العالم العربي. منذ الستينيات والسبعينيات لم يعرض موت عنيف بهذا القدر لحاكم في أعقاب ثورة أو انقلاب. حسني مبارك يقدم الى المحاكمة، الرئيس التونسي بن علي فر، وفي سوريا المعركة لا تزال جارية. ولكن ما بدأ في ليبيا كثورة سرعان ما تطور، برعاية العطش لدماء أبناء عائلة القذافي، الى حرب أهلية شاملة. في مثل هذه الحرب يتم القتال حتى الموت واذا كان ممكنا تسحل جثة الطاغية في الشوارع. محاولة وحشية لنزع السحر الاسود لحكمه. ليبيا القبلية والصحراوية ما كانت مرشحة لمنح القذافي موت عادل رسمي.

طغيان القذافي كان الاكثر غرابة وتميزا في العالم العربي. والغرابة الاساس لحاكم ليبيا لم تكن مسألة هامشية بعد تعبيرا أعلى عن دكتاتوريته. كان هذا سبيله لان يجسد التحقير التام للمسلّمات العربية او الغربية والثقة التامة بقدرته على الحكم بكل ثمن. تدخله العميق في النشاط الارهابي – من الـ أي.آر.ايه في ايرلندا الشمالية، عبر تفجير طائرة بان إم، وحتى المساعدة السخية للارهاب الفلسطيني – يشذ في حماسته عما هو دارج حتى في العالم العربي. فترة العزلة الطويلة التي عاشها انتهت برعاية ادارة بوش في واشنطن وحكومة بلير في لندن، ودحرت عائلات قتلى لوكربي.

القذافي تحلل من برنامجه النووي الاولي ومن تلك اللحظة حظي بمديح من الغرب. عندما وصل الى روما سمح له برلسكوني – أحد مؤيديه الكبار – ان يقيم خيمة في وسط المدينة (الحاكم الليبي لم يشعر بالراحة في المناطق). في باريس أيضا غرس القذافي خيمته، بل وربط الى جانبها جمل. هذا التسامح، من لندن حتى روما كان بالطبع يرتبط باحتياطات النفط والغاز الهائلة في ليبيا. عبدالباسط المجرحي، الليبي الوحيد الذي ادين بالضلوع في تفجير طائرة بان إم، افرج عنه من سجنه في سكوتلندا. بعد وقت قصير من ذلك تلقى البريطانيون عقدا بالمليارات لتطوير حقول الغاز.

ولكن بدون الغرب ما كان الثوار لينجحوا. وللدقة: نيكولا ساركوزي وبراك اوباما هما اللذان قررا الحملة العسكرية الواسعة لاسناد المعارضة الليبية. القذافي كان في طريقه الى تصفية معاقل الثوار، ولكن عندها جاءت الهجمات الجوية للناتو. المصلحة الغربية واضحة تماما: مثلما في مصر، يتطلع الغرب الى ان يموضع نفسه كمؤيد للثورة وليس للطاغية. اعمال القذافي جعلته منبوذا في الرأي العام الغربي. في ضوء قرب ليبيا من اوروبا واحتياطاتها من الطاقة، فان تصفيته كانت مصلحة عليا. ليبيا كفيلة بان تدخل الى فترة طويلة من الصراع القبلي الوحشي، ولكن في بروكسل وواشنطن يأملون في نفوذ غربي على المدى القصير على الاقل. اسعار النفط هبطت منذ أمس.

في قصر الرئاسة في دمشق لا بد شاهدوا صور جثة القذافي. طغاة الشرق الاوسط يطاح بهم، يحاكمون او يصفون الواحد تلو الاخر. لبشار الاسد ايضا لا يوجد الى أين المفر. واذا ما انتصرت الثورة السورية، فسيمر يوم طويل على جثته أيضا.

 

 

بمساعدة اوباما

        (المضمون: القذافي وصدام على حد سواء، كانا سيطول عمرهما حتى هذا العام لولا هرعت الدول الغربية لمساعدة الليبيين والعراقيين على التخلص منهما. في خطوات هجومية عسكرية، وبمساعدة معلومات استخبارية من الجو ومن الارض، بالسلاح، بالمعدات وبكل ما تيسر).

الليبيون قتلوا أمس الرجل الذي حاكمهم لاكثر من أربعين سنة، بالضبط مثلما تعامل العراقيون مع زعيمهم قبل خمس سنوات. مع فارق صغير واحد: صدام اعدم شنقا بعد محاكمة علنية ومغطاة اعلاميا. اما القذافي فاطلقت النار على رأسه مثل كلب في فعل من الفتك وبمحاكمة أمام جمهور متعطش للدماء. مسألة حظ وظروف.

ولكن المفارقة هي أنهما كلاهما، القذافي وصدام على حد سواء، كانا سيطول عمرهما حتى هذا العام لولا هرعت الدول الغربية لمساعدة الليبيين والعراقيين على التخلص منهما. في خطوات هجومية عسكرية، وبمساعدة معلومات استخبارية من الجو ومن الارض، بالسلاح، بالمعدات وبكل ما تيسر. بتعبير آخر: ليس العراقيون، بل الامريكيون هم الذين اسقطوا صدام حسين مثلما حلف الناتو، وليس "الثوار" ذوي ربطات الرأس الملونة وسيارات التندر المستعملة، هو الذي صفى حكم القذافي. والى هذا نضيف: واشنطن هي التي منذ بداية الطريق القت بحسني مبارك الى الكلاب، وربما الان ايضا نادمة قليلا على ذلك.

الامر يبعث على أفكار لاذعة بشأن المساهمة الفاعلة للدول الغربية في حث قيم الديمقراطية وحقوق الانسان في دول الشرق الاوسط. ما يحصل الان في العراق ما بعد صدام، الذي يستجدي الجيش الامريكي الا يغادر، خشية أن يسقط فريسة للتآمر الايراني؛ ما يحصل في مصر بعد اسقاط مبارك، والتي لن تستقر بعد ولا تزال تتحسس طريقها؛ ما سيحصل في ليبيا، الممزقة بين القبائل المتخاصمة ومن يدري متى ستتحد حول حكم مركزي – كل هذه هي دليل خالد على انه سهل نسبيا اسقاط حاكم طاغية بواسطة تكنولوجيا عسكرية متفوقة، ولكن اصعب بكثير بناء دولة جديدة وحديثة على خرائب الانظمة القديمة.

طغاة شرق اوسطيون لا يزالون في كراسيهم، مثل بشار الاسد، يمكنهم أن يستخلصوا ثلاثة دروس فورية من الحالة البائسة لصدام والقذافي ومبارك ايضا. الدرس الاول: لا تكن أبدا بطلا، لا تنتظر حتى النهاية واهرب – طالما كان ممكنا الهرب. إذ من هو ذو الحظ الاكبر: القذافي الميت؟ مبارك المحبوس؟ أم بن علي التونسي الذي نجح في الهرب الى السعودية؟. الدرس الثاني: أبدا لا تنزع بارادتك الطيبة السلاح الذي في يدك، فما بالك عندما يكون هذا سلاحا غير تقليدي. القذافي، وقد سبق أن قيل هذا من قبل، كان غبيا تاما بالمفاهيم الشرق اوسطية عندما نزع سلاحه الكيماوي الذي جمعه وسلاحه النووي الذي اعتزم تطويره. وهكذا جعل نفسه هدفا مثاليا لقصف الحلف الاطلسي. الدرس الثالث: إحرص ابدا على خلق أحلاف مع جهات اقليمية قوية، مزودة هي أيضا بسلاح متطور ويمكنها أن تمنحك مظلة ردع ضد هجوم غربي، كايران وحزب الله. وهذا بالضبط ما يفعله بشار الاسد في هذه اللحظات. كونه استوعب الدرس الثاني والثالث، فلا يزال لا يشعر انه يتعين عليه أن يطبق الدرس الاول.

 

 

بداية غير مستقرة

 

 (المضمون: صور الفتك الذي ارتكبه الليبيون بحق زعيمهم وهو لا يزال على قيد الحياة ستشجع فقط أكثر فأكثر المتظاهرين السوريين على مواصلة نشاطهم ضد نظام الاسد. الطوق، مثلما في الاشهر السبعة الاخيرة، يتوثق فقط حول رقبة الرئيس السوري).

موت العقيد معمر القذافي بعد نحو 42 سنة من حكمه لا يرمز الى نهاية عهد في تاريخ ليبيا. فحكم القذافي وعائلته انتهى قبل نحو شهر ونصف عندما نجحت قوات الثوار في السيطرة على طرابلس وتحول القذافي من مطارد الى طريد. ولكن موته يبشر ببداية عهد جديد في ليبيا، ليس واضحا كيف سيكون. حتى الان كانت المعارضة السابقة منشغلة بمحاولات اعتقال القذافي وابنائه وبقدر ما ببناء شبكة العلاقات لليبيا الجديدة مع الاسرة الدولية. المجلس الوطني المؤقت يتلقى الان فرصة حقيقية لتثبيت استقرار الدولة واقامة حكومة فيها.

الصور التي بثت امس في قناة الصمود، التي تعمل تحت حكم ليبيا الجديدة، تضمنت صورا فظيعة لحشد ينفذ فتكا بالقذافي. ولكن ليس القذافي وحده قتل في الهجوم على منطقة سرت، بلدة مولده. معه ايضا كان كبار رجالات حكمه الرهيب: وزير الدفاع السابق، وزير المخابرات وابن القذافي، المعتصم. اما بالنسبة لمصير ابن آخر، سيف الاسلام السائد، فكانت تقارير متضاربة. عمليا، لم تعد توجد مقاومة للمجلس الوطني المؤقت.

اعادة بناء ليبيا التي تتشكل من نحو 140 قبيلة، تبدو كمهمة شبه متعذرة. فشل المجلس في اقامة حكومة مؤقتة يدل حتى على هذه المصاعب. اضافة الى ذلك، فان موت القذافي يبشر ايضا بتقلص دور الناتو في ما يجري في الدولة ونقل كل الصلاحات الامنية والمدنية الى المجلس الوطني المؤقت وحده. من الان فصاعدا سيكون الليبيون عمليا المسؤولين الوحيدين عن مصيرهم.

اذا كان ثمة شيء ما يمكنه أن يواسي الليبيين في ضوء مستقبلهم الذي يلفه الغموض فهو "مواساة الكثيرين". اكثر من عشرة أشهر مرت منذ بدأ "الربيع العربي" ولم تستقر في أي واحدة من الدول العربية التي حظيت بزيارة الثورة – مصر، تونس وليبيا – قيادة مستقرة وقوية بينما في اخرى، كاليمن وسوريا – تنجح القيادة القديمة في التمسك باهداب الحكم. صحيح أنه في تونس ستجرى انتخابات للبرلمان يوم الاحد، ولكن ليس معنى الامر ان الديمقراطية ستسود هناك. حاليا على الاقل، مستقبل هذه الدول الثلاثة في عهد ما بعد الثورة لا يبدو افضل من ماضيها.

زعيمان بارزان يلوحان كحلقتين ضعيفتين قادمتين في الشرق الاوسط: الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وبالطبع جار اسرائيل الشمالي، الرئيس السوري بشار الاسد. رغم أن التقارير من سوريا تظهر أقل فاقل في وسائل الاعلام ورغم ان الاسرة الدولية ترفض العمل عسكريا ضد نظام الاسد، فان المظاهرات في ارجاء الدولة لا تتوقف حتى ولا ليوم واحد. وعلم أمس عن مظاهرات كبرى في مدينة حمص، حيث احتفل السكان بسقوط القذافي ورفعوا يافطات كتب عليها: "الجرذ من ليبيا امسك به، والان سيأتي دور الجرثومة من سوريا".

صور الفتك الذي ارتكبه الليبيون بحق زعيمهم وهو لا يزال على قيد الحياة ستشجع فقط أكثر فأكثر المتظاهرين السوريين على مواصلة نشاطهم ضد نظام الاسد. الطوق، مثلما في الاشهر السبعة الاخيرة، يتوثق فقط حول رقبة الرئيس السوري.

 

 

الاسد ينظر مراقبا صورة الطاغية الميت

 

(المضمون: بشار الاسد رأى المراجعة الاخيرة لنهاية حكمه. يحتمل جدا ان يكون استنتاجه هو الشروع في رزم الحقائب. ايران كفيلة بان تنتظره).

عندما توقفت عيون العالم عند وجه الدكتاتور الهاذي الميت معمر القذافي، نظر اليه رجل واحد (وربما ليس فقط رجل واحد) فرأى نفسه. كان هذا بشار الاسد. طبيب العيون السابق شرح على ما يبدو لنفسه بانه ليس القذافي، وان سوريا ليست ليبيا، وان الناتو ليس في أعقابه، وانه لا يزال لديه مؤيدون أقوياء في العالم في صورة الصين وروسيا وبالطبع ايران.

رجال بلاطه يوجهون انتباهه الى مظاهرات التأييد لنظامه والى الاف المشاركين فيها اسبوعا بعد اسبوع. يعودون للتعهد له بان الجيش معه، وان الفارين هم اعشابا ضارة يجب مواصلة معالجتهم بيد من حديد. الوزيرة بثينة شعبان، صلته مع العالم، تقول له ان العالم لا يزال يعطيه فرصة. اما هو، بشار، فلا يمكنه أن يرفع عينيه عن هذه الصورة، صورة القذافي الميت.

حتى الان آمن بان الطائفة العلوية لن تسمح له بالسقوط، وان الضباط الكبار سيبقون معه وسيوافقون على اطلاق النار على المتظاهرين السوريين، المحرضين – هكذا هو مقتنع – من جهات أجنبية. عندما رأى مصير صدام حسين شرح لنفسه انه خلافا لصدام فانه لم يهدد العالم. عندما رأى مبارك يحمل على حمالة الى محاكمته، قال لنفسه ان ليس لمبارك طائفة بذلت كل ما يمكن كي لا يسقط. عندما رأى بن علي يفر من تونس الى السعودية، قال لنفسه ان هذا جبان لم يكن مستعدا لان يكافح في سبيل طريقه. ولكن عندما يرى القذافي الميت، رغم جيشه، رغم قبيلته التي أيدته حتى اللحظة الاخيرة، رغم سبل الفرار التي أمنها لنفسه في سرت، مدينة مولده – فانه ملزم بان يتوصل الى الاستنتاج بان أقوال البطولة لمبارك والقذافي بانهما لن يغادرا بلديهما، وانهما يؤمنان بالتأييد الواسع من الجمهور وانهما سيموتان في وطنيهما، لم تترك انطباعا خاصا على أحد.

محتمل جدا أن 20 تشرين الاول سيصبح ليس فقط يوما تاريخيا في تاريخ ليبيا، بل وايضا نقطة انعطافة في اعتبارات هذا الرجل الذي وصل الى الحكم كنتيجة لحادثة طرق، ولم يعرف ماذا يفعل بالقوة التي نزلت الى يديه، ولم تكن له أي فكرة عن الاصلاحات السلطوية عندما عقد مؤسسات حكمه البلشفي كي يتحدث عن تعديلات دستورية. بشار الاسد رأى المراجعة الاخيرة لنهاية حكمه. يحتمل جدا ان يكون استنتاجه هو الشروع في رزم الحقائب. ايران كفيلة بان تنتظره.

 

 

العالم أراد جثة

 (المضمون: الفتك الذي نفذ بالقذافي يعيد الى أرض الواقع من أمل بان تصبح ليبيا ديمقراطية مزدهرة. يتبين ان طريق ليبيا وطريق الشرق الاوسط نحو الاستقرار والديمقراطية يبقى، إذن طويلا مثلما كان).

الفتك الوحشي الذي ارتكب بحاكم ليبيا السابق معمر القذافي لم يصدم احدا – لا في ليبيا نفسها، ولا ايضا في اوروبا والولايات المتحدة. العكس هو الصحيح، فمن كل صوب تدفقت التهاني الى حكام الدولة الجدد الذين اطاحوا بالقذافي واحتلوا مكانه، ولبداية فصل جديد في تاريخ هذه الدولة. وعليه فانه عندما يدور الحديث عن مصالح، كالنفط مثلا، فانه مريح لزعماء العالم ان ينفذ أحد ما نيابة عنهم المهمة القذرة بلا محكمة عدل عليا وبلا منظمات حقوق انسان، فيما هم يبقون نظيفي الايادي.

واحدا واحدا يجد الطغاة العرب أنفسهم يسقطون من سموهم العالي الى دركهم الاسفل العميق، من اعالي الحكم وملذاته الى النهاية المهينة والحقيرة. الاول كان صدام حسين، حاكم العراق، الذي امسك به في نهاية العام 2003 على ايدي القوات الامريكية وهو مختبىء في حفرة عميقة. ومثل عديم المنزل العادي، اخرجه الامريكيون من مخبئه واجروا عليه فحصا طبيا مهينا بث في كل قنوات التلفزيون. بعد ذلك قدمته الحكومة العراقية الى المحاكمة، حكم بالاعدام وشنق. فيما حرص احد جلاديه على تصوير لحظة الموت بالهاتف النقال، بالضبط مثلما تصرف مصفو القذافي. بعد بضع سنوات جاء دور حسني مبارك، الذي وجد نفسه ينقل على سرير مرضه الى المحكمة الى جانب نجليه. وأمس جاءت، كما أسلفنا، نهاية القذافي.

على القذافي يمكن القول انه قطف ثمار حكم الطغيان والقمع الذي اقامه، حكم الفساد وتبذير المقدرات الطبيعية لبلاده. ويمكن الاشارة الى أنه على مدى سنوات حكمه قتل على يديه مئات بل وربما الاف الليبيين.

في العالم العربي مال الناس لتجاهل تصفية القذافي. في سوريا لم ينشروا ابدا الصور وفي دول اخرى كانت التقارير عنه هامشية وذلك على ما يبدو كي لا يمنح احد أفكار فيحاول تطبيقها في بلاده.

ومع ذلك، فان الفتك الذي نفذ امس بالقذافي يعيد الى أرض الواقع من أمل بان تصبح ليبيا ديمقراطية مزدهرة. يتبين ان العصابات التي تمسك اليوم بالحكم في ليبيا هي جزء من لحم القذافي، جزء من لحم مجتمع تقليدي بل وحماسي. طريق ليبيا وطريق الشرق الاوسط نحو الاستقرار والديمقراطية يبقى، إذن طويلا مثلما كان.

 

اذا كان الاسد حكيما، فليهرب

 

        (المضمون: وحيد في قصره نظر الاسد امس بحزن وبعصبية الى صور تصفية القذافي وبالحدس عرف بان ذات المصير يترقبه هو ايضا ويترقب ابناء عائلته. نظامه منتهٍ، واذا ما تبقت قطرة عقل في رأسه فان عليه أن يهرب منذ هذه الليلة من دمشق الى مكان آمن في أمريكا اللاتينية).

بسقوط عدوك لا تفرح، توصي اليهودية، ولكن هذا منوط بمن هو عدوك: أنا فرحت بسقوط صدام حسين، فرحت بسقوط معمر القذافي وسأفرح بسقوط بشار الاسد.

من ناحية العدل التاريخي لا فرق بين نهاية صدام ونهاية القذافي، باستثناء حقيقة ان الاول اعدم بعد محاكمة استعراضية سخيفة والثاني اعدم قبل ذات المحاكمة. هذا، وحقيقة أن اسقاط صدام كلف حياة عشرات الالاف في الوقت الذي كان اسقاط القذافي "بخسا" بالنسبة لحياة الانسان.

نظرية الدومينو تعمل بالذات في الشرق الاوسط المجنون. التالي في الدور سيكون حاكم سوريا، دكتاتور وحشي ومريض لا صلاح له. وهو وحيد في قصره نظر الاسد امس بحزن وبعصبية الى صور تصفية القذافي وبالحدس عرف بان ذات المصير يترقبه هو ايضا ويترقب ابناء عائلته. نظامه منتهٍ، واذا ما تبقت قطرة عقل في رأسه فان عليه أن يهرب منذ هذه الليلة من دمشق الى مكان آمن في أمريكا اللاتينية. هو وكلاب حراسته قتلوا حتى الان متظاهرين أكثر مما قتل في كل حرب ليبيا.

من قتل أمس على ايدي عصبة من حملة السلاح من ابناء شعبه، ليس فقط حاكم ليبيا. معه قتل ايضا الرمز الاخيرة لطريقة الحكم السياسية التي سادت العالم العربي على مدى اكثر من نصف قرن: "الاشتراكية العربية". الاشتراكية العربية ألهبت حماسة الجماهير في الدول العربية في الخمسينيات من القرن الماضي مع تحررها من قيود الاستعمار. وقد اقترحت خليطا من القومية العربية الفتية والمستقلة مع شكل حكم حديث يعتمد على الحزب الواحد وعلى سيطرة الدولة على الاقتصاد. الاشتراكية العربية وعدت المؤمنين بها بجنة مزدوجة، على الارض وفي السماء. توجهت الى المشاعر والى العقل عندما عرضت وحققت برامج تنمية وحداثة اجتماعية.

ولكن منذ نهاية السبعينيات تبين ان للاشتراكية العربية لا يوجد افق. الايديولوجيا الاجتماعية تبخرت منها تماما ولم يتبقَ سوى الطمع العاري للحكم لدى نخبة حزبية – عسكرية ضيقة، لم تكن مستعدة لان تتخلى عن امتيازاتها وتمسكت حتى اللحظة الاخيرة بقرون المذبح. الى أن تحطم المذبح تحت غضب الشعب.

يظهر التاريخ بان دولا ديمقراطية بل ودول شبه ديمقراطية، لا تقاتل الواحدة ضد الاخرى، حتى عندما يسود بينهما العداء. وعليه فليس ظاهرا ما لاسرائيل أن تأسف عليه بنهاية الدكتاتوريين من مدرسة "الاشتراكية العربية" العفنة ومواصلي دربها. فقد قاتلونا ولم يكونوا من عاطفينا، على أقل تقدير.

ولكن ما هو الاحتمال في أن تضرب الديمقراطية جذورها في العالم العربي ولا تحتل مكانها دكتاتورية اسلامية متزمتة. للتخوف في ان يحصل هذا يوجد أساس بالفعل، ولكن لا يوجد له بعد تجسيد في الواقع. عملية تغيير الدكتاتوريات بصناديق الاقتراع لم يحصل حتى الان في أي دولة عربية اسلامية. لا في العراق، لا في افغانستان ولا في السودان.

صحيح، هناك من يتنبأ ان في الانتخابات القريبة القادمة في تونس وبعد ذلك في مصر سيستغل الاسلاميون اللعبة الديمقراطية من أجل الوصول بواسطتها الى الحكم ودفنه لاحقا. ولكن عندي رأي آخر: للديمقراطية، برأيي قدرة رائعة على الدفاع عن نفسها، ومن اللحظة التي تنهض فيها وتسيطر على الجماعة البشرية. بكون الديمقراطية فطرة الانسان، فليس الانسان مستعدا للتخلي عنها بسهولة، ولا سيما بعد أن يكون تذوق طعمها. لا سبب يدعو الخلق في العالم العربي يتصرفون على نحو مختلف.