استطلاعات الرأي التي تتسابق وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى إعلان نتائجها والتفاخر بها، تشير إلى أن غالبية الإسرائيليين، ضد إقامة دولة فلسطينية، وهذه الأغلبية الإسرائيلية تؤيد خطة الضم لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وحكومة نتنياهو بدأت فعلاً ممارسات هذا الضم من خلال الإعلان عن قرارها بضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية في مناطق متعددة، سواء في محافظة القدس، أو جنين أو قلقيلية أو موجة هدم البيوت والمنشآت الفلسطينية الزراعية والصناعية، وشق الطرق، وتشجيع المستوطنين، الذين هم في الأساس حرامية الأراضي على تنفيذ خطوات والمسارعة إلى التأشير على هذه الأراضي المستهدفة بالضم.

نتنياهو من خلال تشجيع هذا الضم يعبر عن قناعته بأن إفلاته من القضاء، في تهم الفساد المنسوبة إليه أهم من حياة الشعب الإسرائيلي وأهم من مستقبل حليفه دونالد ترامب الذي حين أعلن صفقة القرن، التي هي أساس لذلك كله، أوحى بأن هذا الضم الذي يشجعه إنما هو مرتبط بإقامة دولة فلسطينية أشارت خرائطها الأولى إلى أنها مجرد وهم كاذب عارضها الفلسطينيون منذ اللحظة الأولى بشكل مطلق، وردوا عليها بمشروع مضاد هو إقامة دولتهم المستقلة على كامل حدود الرابع من حزيران عام 1969، وأنهم يرفضون بالمطلق مشروع الضم، ولكنهم يقبلون تبادل الأراضي بعد قيام دولتهم، بأن تكون مساحة هذه الأراضي المتبادلة متساوية، وهذه القنبلة السياسية يخشاها الإسرائيليون، ويعتبرونها أكبر مشكلة أمام وجود إسرائيل، ويتزايد عدد الذين يعارضون فكرة الضم في القوى السياسية والأمنية، بينما يزيد عدد المؤيدين للضم في صفوف المستوطنين الذين لا يستطيعون الحياة إلا بهذه اللصوصية التي يحرمها القانون الدولي والشرعية الدولية.

إذاً، عندما يصر نتنياهو على تنفيذ قرار الضم، فإنه بهذا الإصرار يعبر عن احتقاره الشديد لحليفه دونالد ترامب الذي تتفاقم في وجهه المشاكل داخل أميركا على خلفيات العنصرية التي هي أحد مكونات أميركا الأساسية، بالإضافة إلى الفشل الذي يعانيه دونالد ترامب بسبب أدائه الهابط أمام كوفيد - 19، ومحاولته البائسة إرجاع سبب الفشل إلى الآخرين من قوى عالمية، ومحاولة الدفاع المستميت عن رموز العنصرية المتفشية في أميركا، ومحاولة حمايتها بكل الوسائل.

ولكن سلوك نتنياهو، يشير أيضًا إلى احتقاره الإسرائيليين أنفسهم فيندفعون بغرائزهم إلى حيث يشير لهم نتيناهو ليس أكثر من ذلك، ولكن الكثير من العقلاء في إسرائيل يدركون أن القيادة الفلسطينية حين رفضت صفقة القرن، ورفضت جوهر هذه الصفقة المجنونة وهو مشروع ومخطط الضم الإسرائيلي، والشعب الفلسطيني بكل مفرداته يحتشد حول هذا الرفض فإن هذا الرفض ليس رفضًا بالكلمات وإنما هو الرفض الذي سيتنامى إلى مآلات عميقة، وأساس هذه المآلات هو إعلان دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967، والدفاع عن هذه الدولة بكل الوسائل مهما كانت صعبة، وفي نفس الوقت إتاحة الفرصة لِكامل المجتمع الدولي أن يأخذ صداه بالكامل في الانتصار بالأولويات التي يجب أن يقوم بها دفاعًا عن فعالية هذا النظام الدولي أولاً، ومساعد لشعبنا في تنفيذ أولوياته.

الاحتشاد الفلسطيني في أوجه والاحتشاد العربي والإسلامي يسير في الطريق الصحيح، الأوضاع كما كشفت عنها في أميركا الاحتجاجات المستمرة بعد قتل جورج فلويد تشير إلى أن هناك توقًا عالميًا لتغيير بعض المسلمات الدولية، وأن يكون الحق الذي يطالب به الشعب الفلسطيني عميق التجارب، هو الذي يؤخذ بعين الاعتبار، وليست الخرافات السوداء والاعتداءات الشاذة التي يمارسها نتنياهو وفي ظنه أن هذه الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة يمكن أن تنقذه من أقداره السوداء، وأن استمرار أكاذيبه أنه لا يجد شريكا فلسطينيًا في إحياء عملية السلام لم يعد يصدقه أحد، وأن إسرائيل في مواجهة المشاكل الحقيقية التي تواجهها لا تستطيع الاستمرار في الكذب، وأن الدعاية التي تطلقها حول تعاظم الرغبة في التطبيع العربي معها هي مجرد أكاذيب، فالأمة العربية ليس لها من قضية مركزية سوى القضية الفلسطينية التي يجسدها شعبها الفلسطيني المتحد بنموذج خارق من الاحتشاد مع قيادته الشرعية، فهل يتزايد عدد الأصوات في إسرائيل إلى إعادة الحسابات أم يستمر الاندفاع في طريق المقامرة؟ وهذا لا يعني مطلقًا أننا نغمض العيون عن حالات السقوط العربي في مجالات التطبيع المجاني، ولكننا نقول ويل للمطبعين عندما يأتي الأوان.