ترتبط القدس في وعي البشرية بما فيها من أماكن مقدسة، والارتباط بها فيه نوع من الرغبة بالاستحواذ، وهي رغبة قادت في كل الحقبات التاريخية إلى صراعات وحروب. فالغزاة يطلقون عليها نفاقًا إنها مدينة السلام، في حين يستخدمون الجميع القدس كمدخل للحروب وصناعة الكراهية والحقد. بالرغم من الإشكالية المزعجة، فإن القدس ممكن أن تكون بالفعل مدينة محبة وسلام إذا نحنينا جانبًا هذه الرغبة المسيسة بالاستحواذ والصراع على كل حجر وما تحت وخلف الحجر في المدينة. فهذه الحجارة لو تكلمت لكان كلامها لاذعًا وساخرًا في آن.

ارتباطي الشخصي بالقدس هو عبارة عن مجموعة ذكريات طفولة وصبا، كان كعك القدس المشكل الرئيسي لها. في كل مرة كانت أمي تأخذني معها للقدس كانت محطة الكعك بسمسم هي الأهم. كنت اترقب تلك الورقة الملفوفة بعناية التي يعطيها البائع لأمي وفيها الدقة مع الملح فمذاق الكعك مع هذه الخلطة البسيطة هو مذاق ساحر، فلا تحلو رحلة القدس من دون الكعك.

الخارطة التي رسمتها للقدس القديمة في طفولتي هي التي لا تزال تسيطر على خيالي وحسي العميق، وهي مرتبطة بأشياء بسيطة وبالدهاليز والطرق الضيقة وبالأقواس. في كل ذلك أنا لا اختلف عن أي فلسطيني آخر ارتبطت ذكرياته بالقدس، وهي ذكريات ليست استحواذية إنما هي علاقة طبيعية بسيطة مع المكان، فالفلسطيني أكان مسلمًا أو مسيحيًا يحمل ذكريات إنسانية متشابهة، فالمكان يبقى محايدًا إذا لم يحاول الإنسان انتزاعه من حياديته او يجعل منه ساحة حرب.

قبل الصهيونية، التي جاءت إلى المكان بفكرة النفي والاستحواذ، كانت المدينة مكانًا يصلح للذكريات الإنسانية البسيطة التي تعيش بهدوء في الوعي والحس، وتنسج علاقات اجتماعية يكون كعك القدس مادة جميلة لها. قبل الصهيونية. كان الحجر بالمعنى التاريخي، متاحًا للجميع، تمامًا كما هو المقدس، فالأصل بالمقدس أن يكون إنسانيًا جامعًا.

 قبل الصهيونية كانت القدس في قلب فلسطين وفلسطين كانت وطن الجميع. من حاول انتزاع الأشياء من سياقاتها هو من سمسم الطبيعي البسيط وجعل منه مجرد كومة حجارة يسيل عليها دم البشر.