في كل الحروب والصراعات بين الأعداء تفرض التطورات الميدانية، والتدخلات الاقليمية والدولية والمناسبات الاجتماعية والدينية وقفًا مؤقتًا لها، أو الاتفاق على هدنات بينها. بيّد أنها لا تنتهي إلآ بهزيمة أحد طرفي المعادلة، أو انتفاء الحاجة لمواصلة الحرب، أو الوصول لبناء ركائز سلام مقبول بين الطرفين، أو لتدخل دولي حاسم، وحتى في الحروب الأهلية يحدث غالبًا ذلك، التي تعتمد نفس القواعد.

لكن معادلة الصراع الفلسطيني الفلسطيني، التي يمثلها أتباع الوطنية من جهة، واتباع الإخوان المسلمين حاملوا رايات هدمها ونفيها، وتمزيق وحدة الأرض والشعب والقضية والأهداف الوطنية خدمة لأغراض وغايات الأعداء من جهة أخرى، تختلف نسبيًا مركباتها، حتى لو شهدت لحين الاتفاق على هدنات اضطرارية ولاعتبارات وخلفيات وأهداف وطنية، جلها يصب في حماية نزيف الدم الفلسطيني، وفتح الباب أمام مراجعة قوى الردة والتآمر على مصالح الشعب العليا، ولإقناع المضللين من الشعب بأن قوى الظلام كاذبة، وتخدعهم بشعاراتها الوهمية والغوغائية، وللتأكيد لهم بأنها ليست معنية بالمشروع الوطني لا من قريب أو بعيد، وكل ما يهمها وتعمل من أجله تنفيذ أجندة المخطط التآمري الصهيوأميركي الإخواني.

وبالتالي الحديث عن مهادنة الانقلابيين، أو الافتراض للحظة بإمكانية استعدادهم للعمل سويًا في لحظات تصاعد الهجمة المعادية على المشروع الوطني، والرهان على إمكانية قيام شراكة ميدانية ضد العدو الإسرائيلي بعيدًا عن تصفية الانقلاب، وجسر الهوة بين الكل الوطني يكون للأسف رهانًا خاسرًا وخاطئًا. ويعكس قراءة مبتسرة وناقصة للانقلاب وخلفياته الوظيفية والعقائدية التخريبية، ولأن هكذا رؤية تتناقض جذريًا مع وظيفة الانقلاب وجماعة الإخوان المسلمين.

ومن يفترض أن المواجهة الأساسية يتوجب ان تكون مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، فهو مصيب ومخطئ في آن، لأن الصراع بالضرورة يجب ألا يتوقف ضد العدو الصهيوأفنجليكاني. بيّد أن القراءة العلمية والمسؤولة تحتم إزالة الورم من داخل الجسد الفلسطيني، ومعالجة الخاصرة الرخوة، وشد عضلاتها. ودون تصفية الانقلاب ستبقى المواجهة مع المشروع المعادي تعاني خللاً فاضحًا، لأن بقاءه في مطلق الأحوال يصب في مصلحة المشروع الصهيوأميركي. وعودوا لتصريحات نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل، وأقرأوها جيدًا، وعودوا لقراءة تاريخ جماعة الإخوان المسلمين الدولية، وكل فرع من فروعها، ولا تنصتوا لشعاراتها الكاذبة والديماغوجية.

عودوا لِحسن البنا، ولسيد قطب والهضيبي وعاكف وأحمد ياسين وهنية والزهار والحية والسنوار وأبو مرزوق وزيدان وقبها وغيرهم، وعودوا لوثائقهم، وتعاميمهم الداخلية، واسألوا أنفسكم قبل كل شيء: هل التنظيم الدولي للجماعة يؤمن بالوطنية والقومية والدولة من حيث المبدأ؟ هل يؤمن بنظرية التحرر الوطني؟ هل يؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والتنظيم والتظاهر والانتخابات؟ والا تقوم سياساتهم وعلاقاتهم مع كل الأنظمة، حتى التي تعاونت معهم، وحملتهم، وآوتهم في ديارها، على الخديعة والنفاق والتواطؤ عليها وضدها، كما حصل مع العربية السعودية ودول الخليج والمغرب العربي عمومًا والسودان ومصر وطبعًا فلسطين أولاً؟ وهل فرع جماعة الإخوان في فلسطين يؤمن بالمقاومة ضد إسرائيل فعلاً؟ وإذا كان يؤمن لماذا تأخر عشرين عامًا عن اللحاق بالثورة؟ وماذا كان يصف شهداء الثورة الفلسطينية؟ وهل تأسيسه ووجوده عشية الانتفاضة الكبرى 1987/ 1993 كان بالصدفة المحضة؟ وإذا افترضنا ذلك صحيحًا، لماذا رفضت حركة حماس الشراكة الوطنية، وأبت إلا أن تصدر نداءاتها الخاصة، ورفضت الانضواء تحت لواء القيادة الوطنية الموحدة؟ ولماذا رفضت الالتزام بفعاليات ونشاطات القيادة الوطنية الموحدة على مدار الأعوام الستة؟ ولماذا بعد قيام السلطة الوطنية عام 1994 قامت بسلسلة من العمليات التفجيرية كلما حان موعد إعادة انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي من المدن والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967؟ والأهم من ذلك، لماذا قامت بالانقلاب من أساسه عام 2007؟ وهل يستقيم منطق الانقلاب مع الكفاح التحرري الوطني؟ ومن قال أن الانقلاب على الشرعية يخدم الأهداف الوطنية؟ ولماذا لم تنفذ الاتفاقات المبرمة منذ عام 2009، أو 2011 عندما وقعت في القاهرة ممثلة بشخص خالد مشعل، رئيسها آنذاك؟ ولماذا رفضت بناء صرح الوحدة بعد إعلاني الدوحة والشاطئ وبعد اتفاق اكتوبر 2017؟ وما هي الحكمة السياسية أو حتى النفعية الفئوية لحركة حماس من مواصلة الانقلاب على مدار الثلاثة عشر عامًا الماضية، إلا انها رهينة الأجندة الصهيوأميركية؟ هل هناك تفسير آخر؟ هل هناك قراءة موضوعية وواقعية غير ما تقدم؟

في الذكرى الـ 13 للانقلاب الحمساوي على الشرعية الوطنية، وفي ظل احتدام الصراع مع العدو الصهيوأميركي تحتم الضرورة مكاشفة الذات الوطنية والشعب، بأن المهادنة مع الانقلابيين لا تخدم المشروع الوطني، ولا تصب في تحقيق المصالح العليا للشعب، ولا تخدم المصالح القومية العربية، ولا الأنظمة العربية الرسمية.

وعليه لا يجوز ترك الحبل على الغارب للانقلابيين الإخوان المسلمين في فلسطين، ويفترض أخذ قرار استراتيجي حاسم بتصفية الانقلاب وآثاره كليًا، لأنه ترك آثارًا كارثية على النضال الوطني برمته، وعلى القضية ومستقبلها، وعلى الشعب ومصيره، وعلى آفاق الصراع مع العدو الصهيوأميركي. وأؤكد مجددًا لا يمكن الانتصار على المشروع المعادي إلا بتصفية عنوانه الأول في الجسد الفلسطيني، لأنه يمثل  حصان طروادة القابع في نسيج الشعب الاجتماعي والسياسي والثقافي، ويهدد التاريخ المجيد للثورة والشعب والقضية والنظام السياسي الفلسطيني. وبالمحصلة كل من يعتقد ذلك، وهذا حقه، لكنه شاء أم أبى سيكون جزءًا من تعميم الوعي المشوه، وفاقدًا للأهلية السياسية في قراءة الإخوان المسلمين وفرعهم في فلسطين، وشريكًا في الإساءة للقضية والأهداف الوطنية.