بعد رحيلهما، أقصد ياسر عرفات وجاك شيراك، قد نسأل عن سر علاقة الصداقة الوثيقة التي كانت تجمع بين هذين الزعيمين، الجواب هو نزعتهما الاستقلالية، جاك شيراك كان يرى في عرفات رمزًا للوطنية الفلسطينية، وكان معجبًا بقوة وإصرار عرفات على التمسك بالقرار الوطني المستقل، وألا يكون رقمًا في جيب أي أحد، فمن وجهة نظر شيراك أن الزعماء الذين يستحقون الاحترام والثناء هم أولئك الذين يمثلون إرادة شعوبهم الحرة.

ومن زاوية عرفات كان يرى في جاك شيراك زعيمًا فرنسيًّا وأوروبيًّا قويًّا يعبر عن استقلالية القرار الفرنسي والأوروبي وبالتالي فهو صديق يمكن أن يعتمد عليه لأنَّ قراره بيده غير مرهون لأي أحد. بكلمة أخرى فإنَّ سر علاقتهما لأنهما من الطراز نفسه من القادة التاريخيين.

الشعب الفلسطيني وفي لأصدقائه ويبقى يذكرهم ومن بين هؤلاء الأصدقاء جاك شيراك الذي وقف إلى جانب العدل والقانون الدولي عندما أيد بقوة حق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة، وكان من أشد أنصار فكرة حل الدولتين. والشعب الفلسطيني يذكر زيارته التاريخية لفلسطين في أكتوبر عام 1996، التي جاءت دعمًا مباشرًا للدولة الفلسطينية التي أصبحت تتجسد على الأرض. ولا يزال الشعب الفلسطينى يذكر موقف شيراك الشجاع، أثناء زيارته الميدانية للقدس المحتلة ورفض مرافقة الشرطة والأمن الإسرائيلي له في الجولة كموقف رمزي أنها أرض محتلة ولن يعترف بالاحتلال الإسرائيلي للمدينة الفلسطينية وأنه كان يريد أن يتفاعل مع الشعب الفلسطيني مباشرة دون حاجز الاحتلال.

لذلك ليس من قبيل الصدفة أن يخرج الشعب الفلسطيني كله لاستقبال شيراك عندما زار رام الله، فالشعب الفلسطيني يعرف أصدقاءه الأوفياء.

ونحن أبناء الأمة العربية نذكر موقف شيراك الاستقلالي عندما رفض الانجرار وراء الموقف الأميركي البريطاني لغزو العراق عام 2003، وإشهاره لرؤية ثاقبة عندما توقع أن هذا الغزو سيجلب الفوضى والتطرف للمنطقة، وهو ما تم فعلاً.

شيراك كان آخر الرؤساء الفرنسيين الديغوليين الذين عبروا الجمهورية الخامسة الفرنسية باستقلالية، لعبت خلالها فرنسا دورًا بارزًا على الساحة الدولية. نحن الفلسطينيين ننظر لفرنسا على أنها دولة صديقة، وأن فرنسا يمكنها أن تلعب دورًا مهمًّا أكثر عدلاً واستقلالية عن الموقف الأميركي.

الشعب الفلسطيني سيذكر دائمًا أنَّ شيراك كان صديقًا له ولن ينسى ذلك.. وداعًا جاك شيراك رمز الاستقلالية.