لا يحتاج الرئيس أبو مازن إلى براهين وبينات عملية لبيان صواب موقفه وقراره من الإدارة الأميركية الحالية ورئيسها دونالد ترامب، لكن انكشاف مؤامرة الرئيس الأميركي مع رئيس دولة أجنبية ضد مواطني الولايات المتحدة الأميركية مناسبة مفتوحة على الهواء مباشرة ـ تعرض على بصائر وأسماع ذوي الظنون الآثمة وضعاف النفوس الذين ركبوا صهوة الفهلوة السياسية وانهالوا بسياط الانتقادات اللاموضوعية على شخص الرئيس، ليتبينوا أن ترامب ليس قدرا، وأن الولايات المتحدة الأميركية بعظمتها لن تكون إلا مشكلة كبرى للمجتمع الدولي ما دام يسكن في دماغ رئيسها دكتاتور لا يمنعه نظام أو قانون أو ميثاق من تحقيق أهدافه حتى ولو كان سبيلها الجريمة، أما القيم الأخلاقية التي نفترض وجودها نظريا على مفكرته على الأقل، فإنها كما يبدو لنا خارج قاموس هذا البلاء الذي جلبه الناخبون الأميركان لأنفسهم.

أزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب كل العلامات المتعارف عليها لتمييز الحاكم الدكتاتوري عن الحاكم الديمقراطي، فالأمر لم يعد مرتبطا بحجم الدولة، أو عظمتها ومكانتها وقوتها العسكرية والاقتصادية، وثقلها في المعادلات الدولية، وتأثيرها المباشر في موازين الأمن والاستقرار في العالم، فهذه تخطاها ترامب مرة واحدة، ليثبت أنه كأدولف هتلر الذي ما انتحر إلا بعد أن حول المانيا العظيمة اقتصاديا وعلميا وعسكريا إلى دولة مقسومة شرقية وغربية، تخضع لقرارات الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وتتمكن منها الحركة الصهيونية في أفظع جريمة ابتزاز عرفت بتاريخ البشرية، حيث مازالت المانيا تدفع مجبرة– في اطار هذا الابتزاز- ثمن عنصرية هتلر وحزبه النازي الذي فاز بقيادة المانيا بانتخابات، حيث تبتز دولة الاحتلال اسرائيل الدولة الألمانية بمئات ملايين الدولارات سنويا تحت عنوان التعويضات عن ضحايا النازية اليهود في المانيا وبولونيا.

قبل حوالي الشهرين من الآن توفي محمد مرسي الذي أوصله الاخوان المسلمون في مصر إلى الرئاسة (على طريقتهم) في قاعة محكمة كان قضاتها يحاكمونه بتهمة التخابر مع جهات أجنبية (حماس)، صحيح أننا نصدق هذه التهمة نظرا للعلاقة العضوية التنظيمية والمصيرية بين الاخوان المسلمين أينما وجدوا، لكن ما لا يقبل التصديق كيف أن حاكما يعتبر رئيسا لمئة مليون مواطن في أكبر وأقوى دولة عربية، يهبط إلى قاع مستنقع استغلال النفوذ، ليمد دولة صغيرة بمعلومات استراتيجية عن مصر العريقة، ويتخابر مع فرع جماعته في فلسطين المسمى (حماس) في قضايا تمس أمن مصر التي لا يرى العرب من المحيط إلى الخليج استقرارا ما دامت مصر غير آمنة ومستقرة، وبالتأكيد سنقرأ كلنا، ربما نسمع مضمون المكالمات والمعلومات التي كانت جوهر ملف التخابر الاتهامي، تماما كما استمع نواب الشعب الأميركي وكل العالم إلى فحوى مكالمة ترامب مع رئيس اوكرانيا، حيث يطلب ترامب من الرئيس الأوكراني ملاحقة ابن جو بايدن قضائيا، علما أن بايدن سينافس ترامب في الانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي الأميركي، وإلى الآن لا نعرف إن كان ترامب سينتحر بسبب هذه الفضيحة المدوية، أو أن يلقي له مجلس الشيوخ الأميركي طوق نجاة، لتدخل الولايات المتحدة عصر النظم الدكتاتورية من أوسع أبوابها حتى بعد أفول وانطفاء نجوم بعضها التي كانت منتشرة في بلدان عديدة في كل قارة من العالم رغم الرعاية الأميركية والصهيونية.

نحن معنيون برؤية دول عظمى ديمقراطية منسجمة مع قوانين الشرعية الدولية، ومعنيون بتكريس هذه الدول ولو الحد الأدنى من القيم الأخلاقية المطلوبة لتتبوأ فعلا مرتبة الدولة العظمى، لكن فظائع وجرائم إدارة ترامب بحقنا كشعب وقضية تجبرنا على كتم هذا التفاؤل، لكن ليس إلى حد دفعنا للسقوط في اتون الريبة والتشكك من أي علاقة مع دول كبرى، ولعلنا في هذه المناسبة نستذكر روح واسم الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي جسد أخلاقيات رئيس دولة كبرى عندما تعامل مع قضيتنا وقائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية الرئيس ياسر عرفات- رحمه الله– كرئيس دولة ورئيس شعب يستحق الاحترام من شعوب ودول وحكومات وقادة الدول العظمى.

إن لم تضع الولايات المتحدة الأميركية حدا لترامب وتعزله قبل فوات الأوان، فإن دود النازية بالسمة الأميركية سيغزو العالم، حينها فإن الولايات الأميركية الخمسين يمكن أن تصبح مئة أو أكثر.. لكن منقسمة متصارعة وليست متحدة... فترامب لوث شرف الدولة العظمى ولم ولن يبقى للولايات المتحدة الأميركية في العالم سمعة طيبة، وسيحوله الى أسود- في معناه ومضمون سياسته- إن أبقاه الاميركيون في البيت الأبيض.