على نحو ما تعني باريس كعاصمة للتنوير والاستقلالية والحرية، كان الرئيس الراحل، جاك شيراك من الجمهورية الخامسة، جمهورية ديغول، مفعمًا بمعنى عاصمة بلاده، وقد تجلى ذلك بمواقفه الواضحة في مناصرة القضايا العادلة للشعوب المناضلة في سبيل حريتها واستقلالها، وعلى نحو لافت كانت فلسطين وقضيتها، ونضال شعبها في سبيل الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق حريتها واستقلالها، تحتل مكانةً خاصةً عند الرئيس الراحل ولن ينسى الفلسطينيون ذلك أبدًا، وقد شاهدوا يومًا كيف دخل جاك شيراك في مواجهة مع جنود الاحتلال الإسرائيلي، وطردهم من حوله، وهو يتجوّل في شوارع القدس، وماضيًا نحو أحيائها القديمة، ليعود بعدها إلى رام الله وسط احتفاء شعبي فلسطيني كبير، وكان ذلك أثناء زيارته التاريخية لفلسطين عام 1996 من القرن الماضي.

في تلك الزيارة لم نكن نرى شيراك فحسب، وإنما رأينا معه جان جاك روسو، وفيكتور هوغو، واندريه مالرو، وجان جينيه، ورولان بارت، وجون بول سارتر، وسيمون دي بفوار، واديث بياف، وميشيل فوكو، وديغول طبعًا، والمقاومة الفرنسية التي أذاقت النازية مرارة الاحتلال، كنا نرى فرنسا المعرفة والشعر والفن والثقافة والمقاومة، ومراكب سان جون بيرس التي اتسعت في شوارع فلسطين، وقد رفعت أشرعة الأمل لتبحر نحو شواطئه الأكيدة.

لن ننسى شيراك وزيارته التاريخية، ونحن نرى اليوم فرنسا لا تنسى أيًّا من مواقف هذا الزعيم الراحل، وقد أعلنت غير مرة أنها لن تكف عن السعي لتحقيق السلام العادل في فلسطين على أساس حل الدولتين.

في وداع جاك شيراك نرانا نحمل بذاكرة الوفاء، نعشه الآن كما حمل الفرنسيون نعش الزعيم الخالد ياسر عرفات، وودعوه بجنازة عسكرية مهيبة، وهو المشهد الذي أعطى الفرنسيين جميعًا مقام الألفة والمحبة في قلوبنا.

جاك شيراك سلامًا لروحك الطيبة، وخالص العزاء لفرنسا الصديقة دولةً وشعبًا وحكومةً.