يسعى عدد من أعضاء مجلس الكونغرس الأمريكي الى عرقلة تقديم مساعدة اقتصادية الى السلطة الفلسطينية بقيمة مئتي مليون دولار أمريكي وذلك عقابا على الطلب الذي قدمه الرئيس محمود عباس الى الأمين العام للأمم المتحدة في أيلول الماضي للحصول على عضوية كاملة في المنظمة الدولية لدولة فلسطين وجاء هذا المسعى تعبيرا عن مشاعر الغضب في الكونغرس تجاه الرئيس عباس الذي رفض الضغوط الأمريكية لثنيه عن القرار الخاص بطلب العضوية كما أنه يأتي وسط تهديد جدي من زعماء الكونغرس بمزيد من تجميد التمويل للسلطة في العام القادم اذا لم يتراجع الرئيس عباس عن جهوده في المنظمة الدولية ووصل تهديد الكونغرس هذا الى درجة أن هناك مطالب مستمرة لمنع صرف ستمائة مليون دولار هي معدل المبالغ التي تدفعها الولايات المتحدة معونة الى الضفة الغربية وقطاع غزة كل عام منذ سنة 2008.

وقد رفضت القيادة الفلسطينية خطوة الكونغرس هذه واعتبرتها عقوبة جماعية ضد الشعب الفلسطيني وقال الناطق بلسان الحكومة الفلسطينية غسان الخطيب :"ان هذه الخطوة لا تتسم بالايجابية ولا مبرر لها فهذه أساس مشاريع انسانية وتنموية لكنها نوع من العقوبات الجماعية التي ستلحق الضرر باحتياجات أفراد من الشعب دون أن يكون لها مردود أيجابي".

ان قرار الكونغرس هذا والذي فرض منذ شهر آب الماضي ودون أن يعلن عنه لم يفلح في ارغام القيادة الفلسطينية على التراجع عن قرار طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ذلك لأن هذا المطلب الفلسطيني حق مشروع كفلته قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية ذلك أن من حق أي شعب من شعوب العالم أن تكون له دولته المستقلة كاملة السيادة وأن تكون هذه الدولة عضوا كامل العضوية في المنظمة الدولية والشعب الفلسطيني ليس استثناء بين شعوب الأرض فهو شعب عريق ذو حضارة انسانية أصيلة وهو موجود في أرضه منذ آلاف السنين وهو يسعى بكل الوسائل السلمية اللاعنفية وفي اطار القوانين الدولية للتحرر واقامة دولته المستقلة في الأراضي الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران.

ان قرار الكونغرس الأمريكي تجميد مئتي مليون دولار من المساعدات الأمريكية سيسيء الى الولايات المتحدة والى الكونغرس الأمريكي أكثر من اساءته للقيادة الفلسطينية كما أنه يمس خدمات انسانية تقدم الى الشعب الفلسطيني اذ أن هذا التجميد سيؤدي الى تأخير انطلاق المشروعات التي تمولها المعونة الأمريكية التي تغطي تدريب المدرسين وتطوير البنية التحتية الواسعة في مجالات الطرق والمياه وبرنامج تنمية المشاريع التي تهدف الى تحسين المنافسة وطاقة القطاع الخاص الفلسطيني ناهيك عن أن هناك مشاريع حالية مهددة بالتوقف بسبب هذا التجميد وتشمل شراء برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة "المؤن" التي توزع الأغذية على العائلات الفلسطينية المحتاجة اضافة الى الخدمات الصحية وبرنامج السلطة الفلسطينية السياسي لتطوير أداء الوزراء.

وهكذا فان قرار التجميد هذا يؤثر سلبا في الخدمات الانسانية الغذائية والصحية المقدمة للأسر المحتاجة في الأراضي الفلسطينية التي تعيش في ظروف انسانية بالغة الصعوبة خاصة في قطاع غزة الذي يعيش القسم الأكبر من مواطنيه على المساعدات جراء الحصار الذي يعيشه منذ سنوات عديدة والذي أدى تقريبا الى اغلاق كل المصانع فيه والى توقف مشاريع الاعمار والبناء مما أدى الى تسريح عشرات آلاف العمال وارتفاع معدلات البطالة الى أرقام فلكية.

ويأتي قرار الكونغرس هذا بالتجميد خلافا لرغبة ادارة الرئيس باراك أوباما حيث أن هذه المعونة الأمريكية للشعب الفلسطيني كما قال مسؤول أمريكي الأسبوع الماضي جزء رئيسي من التزام الولايات المتحدة لضمان مستقبل حل الدولتين .

وهكذا يتبين جليا أن قرار التجميد هذا يضر بالولايات المتحدة نفسها اضافة الى اضراره بقطاعات عديدة من الشعب الفلسطيني ذلك أنه يفقد الولايات المتحدة مصداقيتها ويسيء الى المبادئ التي تنادي بها من مساعدة الشعوب والأمم المحتاجة ويشوه صورة تلك المساعدات حيث يظهر أن تلك المساعدات تستخدم وسيلة للضغط على الشعوب المحتاجة وليس لتحسين أحوال مواطني تلك الشعوب كما أنها تعرقل محاولات الرئيس باراك أوباما لتحسين صورة الولايات المتحدة بين الشعوب العربية والاسلامية التي تضررت كثيرا في عهد سلفه الرئيس السابق جورج بوش الابن فهل يدرك أعضاء الكونغرس الأمريكي هذه الحقيقة؟

ان تقوية السلطة الفلسطينية ودعمها في المجالات كافة هي مصلحة أمريكية اضافة الى كونها مصلحة فلسطينية عليا ذلك ان القيادة الفلسطينية تعمل بجد وصدق واصرار على احلال السلام العادل والشامل في المنطقة من خلال الأساليب السلمية البعيدة عن العنف وسفك الدماء ومعلوم أن تحقيق السلام في هذه المنطقة الحساسة من العالم وكما قال عدد من القادة العسكريين الأمريكيين المتنورين في واشنطن هو مصلحة أمريكية عليا كما أنه مصلحة فلسطينية واسرائيلية في ذات الوقت ذلك أن الدول العربية ترى أن مفتاح السلام في المنطقة وطي صفحة الصراع انما يكون بحل القضية الفلسطينية حلا عادلا ذلك أن هذه القضية هي لب الصراع في المنطقة.

ويعلم أعضاء الكونغرس الأمريكي الذين يستخدمون المعونة وسيلة للضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته أن هذا الشعب وقيادته الفلسطينية لا يرضخان للضغوط مهما بلغت شدتها وانهما يرفضان المساومة أو التنازل عن أي حق من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني فالشعب الفلسطيني وقيادته لايساومان على المبادئ ولا على الحقوق وشعارهما المثل العربي القديم القائل "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها" وقد أثبت هذا الشعب خلال العقود الطويلة الماضية أنه لا يستكين ولا يلين ولا يذل وأنه يتحمل التضحيات مهما عظمت ومهما اشتدت وهو واثق من أنه صاحب حق وأن من أصحاب الحق لا يتنازلون عن حقوقهم مهما كانت الضغوط والمغريات.

وأمام ضغوط الكونغرس هذه فان من واجب الدول العربية وخاصة النفطية منها أن تسارع الى تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية وأن تدعم ميزانية هذه السلطة وذلك واجب على هذه الدول وليس منة ولا احسانا ولا تفضلا لأن من واجب الأخ القادر أن يساعد أخاه المحتاج وأن يمد له يد العون والمساعدة والأمر المؤسف أن العديد من الدول العربية لم تف بالالتزامات المالية التي تعهدت بتقديمها للشعب الفلسطيني رغم أنها تملك أموالا طائلة وهذا ما أدى الى معاناة وأزمة مالية تعيشها الحكومة الفلسطينية حيث أنها تعجز أحيانا عن صرف رواتب موظفيها كاملة.

ان دعم الشعب الفلسطيني ليبقى صامدا في أرضه ووطنه ليس مجرد شعارات وأقوال بل يجب أن يترجم الى أفعال وذلك من خلال دعم عربي واسلامي مادي بحيث تخصص الميزانيات لدعم هذا الشعب فلو أن الدول العربية النفطية خصصت نسبة واحد في المئة من مدخولها النفطي لدعم هذا الشعب لتحسنت أحواله كثيرا ولما احتاج الى المساعدات الغربية ولما وقع فريسة لضغوط الكونغرس وغيره من المؤسسات والدول المانحة.

ان الدول النفطية العربية تنفق مليارات الدولارات في شراء أسلحة لا تستعمل وتبقى في المخازن يأكلها الصدأ كما أن هذه الدول خسرت مليارات الدولارات من استثماراتها في البنوك الأمريكية والأوروبية خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي ضربت العالم فما يضرها وما يضيرها لو أنها خصصت جزءا يسيرا من تلك الأموال الطائلة لدعم السلطة الفلسطينية التي تقوم بواجبها في دعم شعبها في أرضه ووطنه في أقسى الظروف؟أليس العرب أمة واحدة تاريخها واحد ومستقبلها واحد ؟ أليس هذا الشعب الفلسطيني الصابر الصامد جزءا من هذه الأمة ؟ أليس دعمه وتقويته وتثبيته في أرضه وفي قدسه واجب كل العرب والمسلمين؟

ان الشعب الفلسطيني وهو يقدر للدول المانحة ومن بينها الولايات المتحدة مساعداتها فانه يرفض باصرار واباء وشيم أن تكون تلك المساعدات وسيلة لابتزازه ولمساومته على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره وانجاز استقلاله واقامة دولته وأن يعيش فيها بكرامة كبقية شعوب العالم ومن حقه أيضا أن يكون عضوا في الأمم المتحدة ذلك أن القرار رقم 181 المعروف بقرار التقسيم الصادر في عام 1947 اعترف بوجود الدولة الفلسطينية الى جانب اسرائيل فعندما تطالب القيادة الفلسطينية بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة فانما تطالب بتنفيذ قرار أصدرته هذه المنظمة قبل قرابة ستة عقود ،فهل يعي أعضاء الكونغرس هذه الحقيقة؟

ورغم قرار الكونغرس هذا فان الشعب الفلسطيني وقيادته سيواصلان التواصل مع الادارة الأمريكية وسيبقيان منفتحين على كل دول العالم رغم ما ينشب بينهم من خلافات في وجهات النظر لكن مع التمسك بالثوابت الفلسطينية ذلك أننا نسعى لكسب كل دول شعوب العالم وقادته وزعمائه لاقناعهم بعدالة قضيتنا التي تكسب كل يوم مزيدا من الأصدقاء وسنستمر في مساعينا السلمية لاقامة دولتنا وفي مطلبنا الانضمام للأمم المتحدة فهذه حقوقنا المشروعة ،،،والله الموفق.