وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا «UNRWA» هي الهيكل المادي الرسمي على الصعيد الدولي المجسد لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وحقوقهم، وذاكرتهم القانونية، كقضية كبرى ومكون رئيسي من مكونات أزمة الشرق الأوسط.

ولأن الـ «UNRWA» عاصرت قضية اللاجئين الفلسطينيين منذ نشوئها وعلى امتداد عقود طويلة، فإن الوعي الجمعي الفلسطيني اتفق في ثوابته الرئيسية على ضرورة التعامل والتعاون بشكل إيجابي وعالي المستوى مع الـ«UNRWA» وعدم المساس بمعاييرها وقوانينها الداخلية وضوابط عمل موظفيها الكبار والصغار منهم على حد سواء، لأن الوعي الجمعي الفلسطيني، كان وما زال، يعرف بعمق أهمية وجود هذه المنظمة الدولية المختصة بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، ليس فقط على صعيد ما تقوم به من برامج ثابتة وطارئة في مجالات الإغاثة والصحة والتعليم والتدريب المهني الراقي !!! بل هناك أيضا المعاني والأبعاد القانونية والإستراتيجية التي تجسدها هذه المنظمة الدولية من خلال استمرار وجودها، لأن وجودها في الأساس مرتبط بجوهر وخصوصية القضية الفلسطينية وهم اللاجئون الذين خصص لهم قرار دولي هو الأشهر القرار 194، وبالتالي فإن استمرار وجود «UNRWA» في عملها ومهماتها معناه المباشر الأول الملح أن قضية اللاجئين الفلسطينيين موجودة، ومحقة، وعادلة، وأنها تتطلب حلا عادلا، وأن هذا الحل العادل لم يتوفر بعد.

كما أن وجود «UNRWA» في قطاع غزة هو انجاز كبير جدا بالنسبة للشعب الفلسطيني، وفاعلية حضوره السياسي وحجم ما يتمتع به من تأييد وتعاطف دولي، لأن «UNRWA» حين تكون وتبقى وتظل في غزة، فإنها تكون في قلب وبؤرة القضية الفلسطينية !!! ولذلك وجدنا أعداء الحق الفلسطيني يحاولون منذ عقود إنهاء عمل «UNRWA» تحت حجج ومبررات ظالمة أحيانا، وواهنة أحيانا أخرى، وأخر هذه الجهود هي ما تقوم به إسرائيل الآن من ضغوط هائلة على الكونجرس الاميركي للبحث عن نقاط اختراق مهما كانت لإنهاء عمل الأونروا !!! وأذكر بهذه المناسبة بما قاله أحد الأصوات الاميركية العالية والداعمة لهذا التوجه الإسرائيلي، حين خاطب الكونجرس طالبا عدم قطع المساعدات الاميركية عن السلطة، والاكتفاء بدلا من ذلك بقطع المساعدات عن «UNRWA» والعمل على إنهاء وجودها بأية وسيلة ممكنة، لأن «UNRWA» في نظره التي ترعى قرابة ستين معسكرا للاجئين في فلسطين والدول المجاورة، إنما تشكل خطورة قصوى على المصالح والمنطلقات الإسرائيلية !!!

وفي هذا السياق :

فإنني أريد أن أذكر جميع الأطراف الفلسطينية بأن شخصيات دولية كبيرة وقفت على رأس «UNRWA»، واجهوا الصعوبات، والتهم القاسية، والإجراءات العقابية والتشهيرية، لا لشيء سوى لأنهم خدموا «UNRWA» بإخلاص ومهنية عالية، وتم التحرش بهم من قبل إسرائيل واميركا وحلفائها، لأنه صدرت منهم كلمة قيل انها تخالف المعايير، وعلى رأسهم بيتر هانسن مدير عام «UNRWA» سابقا، وكارين أبو زيد المديرة الحالية، وجون كينج مدير عمليات «UNRWA» في قطاع غزة، وأذكر أن كارين أبو زيد تعرضت لهجوم شرس وتشهير واسع النطاق من قبل العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية لا لشيء سوى لأنها انتقدت ردود الأفعال العنيفة والمفرطة في القوة، والمبالغ فيها، ردا على إطلاق بعض الصواريخ من قطاع غزة التي وصفتها بأنها محلية الصنع !!!

الآن الآن، في هذه الأثناء، وفي ظل التداعيات الكبرى والإيجابية لاستحقاق أيلول، فإن الجهد الإسرائيلي والجهد المعادي عموما، يتضاعف ضد «UNRWA»، والحملة الآن على أشدها، والخطط الإسرائيلية ومن يوالون إسرائيل من الدول الكبرى تتمحور كلها حول شطب قضية اللاجئين من خلال البدء بإنهاء عمل هذا الكيان الدولي الكبير الموجود لخدمة اللاجئين وهو «UNRWA» وخاصة بعد أن فضحت الوجه الإسرائيلي القبيح بعد قصف مقرها الرئيسي في غزة، وبعد قصف مدرسة الفاخورة التي لجأ إليها بعض اللاجئين الفلسطينيين هربا من الموت الإسرائيلي في الحرب الأخيرة !!! ومعروف أن شهادة واحدة من هذه المنظمة الدولية الكبرى، «UNRWA» أمام العالم، تحدث أثرا أكثر ألف مرة من شهادات تأتي من جهات أخرى.

كثير من العاملين في «UNRWA» في قطاع غزة هم أصدقاء أعتز بهم وبعضهم أقرباء لي، ولكنني أحببت أن أساهم في الجدل القائم الآن حول إضراب العاملين في «UNRWA» في قطاع غزة، دون أي انحياز، ودون أي نبرة، من خلال عرض هذه الحقائق البسيطة المعروفة للجميع، داعيا كافة الأطراف الفلسطينية التي تسعى لحل المشكلة أن تأخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار، فنحن في مرحلة دقيقة جدا، يجب أن نقرأ الأمور في ظاهرها وفي باطنها، وأن نزن الأمور بميزان من ذهب.