لمفهوم التدخل معنى ومضمون واحد. غير ان شكل التدخل ملتبس، ولا يؤدي ذات الغرض (الهدف). لأن هدف كل تدخل مرتبط بطبيعة الشخص أو القوة أو الدول أو ائتلاف الدول أو المنظمة الدولية، وخلفيات هذا التدخل. ولا يمكن التعامل مع مسألة التدخل الخارجي في هذا البلد أو ذاك أو في هذه المؤسسة أو تلك أو حتى في حياة أسرة أو شخص ما بذات السوية، وبردة فعل واحدة. لان لكل عملية تدخل شروطها ومعاييرها القيمية: السياسية، القانونية، الاخلاقية، الاقتصادية، العسكرية، والمكانية الزمانية. وبالتالي لا يمكن اتخاذ موقف سلبي أو ايجابي من التدخل قبل الوقوف على مجمل العوامل ذات الصلة بهذا التدخل أو ذاك.

واذا تمركزت عملية النقاش، حول التدخل الخارجي في شؤون الثورات العربية، فإن الضرورة تملي التأكيد، على ان ليس كل تدخل ودعم للثورات الشعبية في مصر وتونس وسوريا واليمن أو غيرها، يعتبر تدخلا سلبيا، ومشكوكا في خلفياته، اي اعتباره بمثابة مؤامرة تستهدف ربيع الثورات العربية.

لذا هناك اشكال ضرورية من التدخل الخارجي (القومي والاقليمي والاممي) لدعم قوى الثورة الشعبية في هذا البلد أو ذاك. تختلف تماما عن التدخل لحسابات واجندات تخريبية، ومعادية للثورة وطموحات الجماهير الشعبية العربية. وتلك الاشكال الايجابية من التدخل والاسناد مطالب ومرحب بها، لانها تحمل دلالات سياسية وثقافية واخلاقية مهمة. اولا، لجهة دعمها قوى التغيير الثوري. وثانيا، حتى لا تشعر (الشعوب وقواها الحية) انها وحيدة في الميدان، ما يتيح لاجهزة النظام الاستبدادي الانقضاض عليها والاستفراد بها. ثالثا، لمنح مصداقية قومية وانسانية بين الشعوب وقواها السياسية ومنابرها المتعددة. رابعا، لتعزيز عملية التكافل فيما بين الشعوب وقواها الحية. خامسا، لتقريب مسافة الخلاص من النظام السياسي الاستبدادي. سادسا، لاعطاء الامل للشعوب التي ما زالت تخضع وترزح تحت سيف ظلم الانظمة الديكتاتورية، بانها تستطيع ان تواجه النظام ووحشيته بارادتها، وبدعم الشعوب الشقيقة والصديقة وقواها الحية.

ومن اشكال التدخل الخارجي الايجابي، العناصر الاتية:

1- تقديم الدعم المادي والمعنوي لقوى الثورة دون شروط مسبقة أو لاحقة.

2- تعميم ونشر اخبار الثورات، وتطور صراعها مع النظام الفاسد واجهزته وبلطجيته في وسائل الاعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمكتوبة. ومنح مساحة واسعة لممثلي الثورات للتعبير عن سياساتهم ووجهات نظرهم في المسائل المثارة، وطرح برامجهم السياسية والاقتصادية والثقافية والدستورية، فضلا عن عرض برامج وآليات عملهم اليومية والاسبوعية والشهرية.

3- فضح ممارسات وانتهاكات وجرائم الانظمة الاستبدادية، وتسليط الضوء على سياساتها الارهابية ضد المواطنين ومصالحهم، واماطة اللثام عن اكاذيب الانظمة، وخاصة ما تروجه من رغبة بـ«الاصلاح والتغيير». وكشف ارتباطاتها واهمية وجودها لدولة الابرتهايد العنصرية الاسرائيلية والولايات المتحدة.

4- تأمين الاقامة لانصار الثورات العربية، وتسهيل تحركاتهم ومؤتمراتهم ولقاءاتهم مع بعضها البعض، ومع المسؤولين في هذه الدولة أو تلك.

5- فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية على انظمة القمع والماضي. وعدم تقديم اية مساعدات عسكرية لها.

6- فرض الحظر الجوي على طيرانها الحربي لحماية المدنيين العزل من بطش الانظمة واجهزتها وطيرانها.

7- تقديم العلاج المجاني لجرحى الثورات العربية. وإيواء الاسر الهاربة من ويل ووحشية الانظمة المستبدة.

8- رفع دعاوى امام المحاكم الدولية والاقليمية، وخاصة محكمة الجنايات الدولية، لمحاكمة قتلة النظام وقيادته السياسية والعسكرية والامنية جراء الجرائم البشعة التي ارتكبوها والمثبتة بالشواهد والصور.

9- عزل الانظمة البوليسية وقياداتها اقليميا ودوليا، وحرمانها من المشاركة في اية مؤتمرات أو لقاءات ذات صلة بشعبها أو شعوب المنطقة والعالم، واعطاء فرصة للمجالس التي تمثل الثورات بالمشاركة، كممثل لشعوبها.

10- اصدار التصاريح اليومية من قبل القيادات السياسية والعسكرية من قبل زعماء العالم المطالبة بتغيير النظام واقالة رأسه. والمطالبة بنقل السلطات سلميا لقوى سياسية مقبولة، حتى لو كانت من داخل المؤسسة الحاكمة، كمرحلة انتقالية لحين اجراء الانتخابات وتغيير الدستور، ونشوء قيادة وطنية جديدة.

11- السماح للقوى السياسية والاجتماعية والاعلامية - الثقافية في دول العالم المساندة للثورات بالتظاهر والاعتصام امام ممثليات وسفارات الانظمة القمعية للضغط على الانظمة وممثليها الرحيل نتيجة العزلة الدولية المتزايدة.

12- توثيق جرائم وارهاب الانظمة الديكتاتورية ضد شعوبها ومعارضيها من خلال اقامة معارض فنية تشكيلية أو فوتوغرافية وغيرها من الانشطة والفعاليات الفنية والثقافية.

13- دعم وتسهيل سبل اتصال قوى المعارضة مع رؤساء واقطاب الدول المنحازة أو المؤيدة للانظمة الفاسدة أو المترددة في حسم موقفها من قوى الثورة، وذلك لتوضيح المواقف وازالة الغموض والالتباس لديها، والعمل على كسبها الى جانب الثورة هنا أو هناك، أو على الاقل تحييدها.

14- الضغط على القوى الاقليمية والدولية المتواطئة مع الانظمة الفاسدة لفك تحالفاتها السياسية معها، وتقديم حوافز سياسية واقتصادية لها، كبدائل عن العلاقة مع الانظمة الآيلة للسقوط.

وهناك العديد من اشكال الدعم والاسناد لربيع الثورات العربية الايجابية، التي لا تصل حد التدخل العسكري المباشر في شؤون هذا الشعب أو ذاك. لان التدخل العسكري في الحالة العربية الراهنة من قبل قوى الغرب، وأياً كانت الذرائع أو المبررات التي يسوقونها، تعني التآمر على مستقبل هذا الشعب أو ذاك. ولا يخدم من قريب أو بعيد عملية التغيير الثوري.

الثورات العربية بحاجة ماسة لكل دعم عربي اصيل ونزيه، وبعيد عن الحسابات الفئوية والاجندات الخاصة وذات الصلة بالغرب. كما انها (الثورات) بحاجة لدعم واسناد شعوب العالم قاطبة، وبغض النظر عن طبيعة وحجم ومستوى المساعدة المقدم، لان هكذا دعم وتدخل مرغوب به، ويجد القبول والترحيب، لانه يصب في بلوغ اهداف الثورات العربية لاهدافها.