انشغل العالم منذ أيام برحيل عالم الحاسوب الشهير ستيفن جوبز فيما تضاربت المواقف بين اعتباره عالما عربيا توفرت له الظروف ليبدع في الغرب المستقر، أو عالما اميركا أصيلا أبدع بفعل إصراره وذكائه. وأيا كانت التفسيرات فإن موت جوبز كما كل الأمور من حولنا، وقع في دائرة السياسة والاجتماع ونارهما ليشتعل الحديث عن المبدع العربي ودوره في عالم الابتكار وآفاقه إن هو اختار العيش في محيطه العربي الغارق بالسياسة وثقافة الإهمال كما يقول البعض.

وجوبز صاحب فكرة الحاسوب أبل أو التفاحة الشهيرة، والذي تطور حاسوبه هذا مع احتدام المنافسة وإمكانية زوال شركته وإفلاسها ليصل إلى المسجل التفاحة والهاتف التفاحة أو المعروفان اختصارا بالآي بود والآي فون من ثم الحاسوب اللوحي الأول الآي باد، هو ذاته صاحب التفاحة الثالثة التي غيرت العالم بعد تفاحتي سيدنا آدم الشهيرة التي أثرت في حياة البشرية حسب الكتب السماوية، وتفاحة اسحق نيوتن التي أضافت إلى التأثير في حياة البشر باعتبارها الشرارة الأولى التي أدت لولادة قوانين الجاذبية على اختلافها.

ومع هذه التأثرات ولد النقاش الجدلي مع آدم ونيوتن ليستمر اليوم بعد رحيل جوبز في تصارع غريب بين عالم الدين والفيزياء والاجتماع والتكنولوجيا والسياسة. والسؤال المتجدد: متى تقدر الأمم المسحوقة أهمية العلوم والابتكار، فتعيد انتاج فكرها المعرفي وصولا إلى حماية المبدعين وتطوير قدراتهم وتوفير الأرضية الخصبة والبيئة الداعمة لتشجيعهم وتمكينهم من تطوير كفاءاتهم؟ سؤال ربما سيبقى برسم الإجابة في العالم العربي لعقود قادمة. أما فلسطينيا فالأمر لم يعد يحتمل التأخير.

ومع اختتام أعمال احتفالية الإبداع في رام الله الأسبوع الماضي انهالت كما كان متوقعا أسئلة الصحفيين عن مستقبل المخترعين والمبدعين الشباب والأطفال ومسيرة العلوم والبحث العلمي برمتها. وواقع الأمر أن فلسطين وعلى ضيق حالها جراء الاحتلال والواقع السياسي والاقتصادي الذي تعيشه، تملك إمكانية البت في أسئلة كثيرة ربما تساعدنا على فهم الأمور وتصويبها.

متى سيصبح البحث العلمي محورا رئيسيا في عملنا الأكاديمي؟ وكيف للمال أن يوظف بصورة أكبر لدعم الجامعات وتمكينها من التوقف عن الانشغال في جمع فتات المساعدات وكتابة وصيتها الأخيرة في كل مرة يحوم الإفلاس في محيطها؟ ومتى نخلق لهذه الجامعات المساحة المالية والإجرائية لتتنفس الصعداء وتهتم برعاية روح الابتكار؟ وكيف لجامعاتنا أن تحول مراكز التميز فيها إلى مراكز للإبداع، وليس فقط للتدريب والتعليم التقليدي؟ كيف يمكن للنظام المدرسي أن يحفز التعليم التحليلي والاستخدام الأوسع للتكنولوجيا؟ ومتى تسن القوانين التحفيزية التي تخلق عالما من التنافسية الإيجابية بين مدارسنا ومؤسساتنا؟ وكيف للتعليم والبحث العلمي أن يستحوذ على حصة الأسد من موازنتنا الوطنية؟ ومتى يرى صناع القرار أهمية كبرى في تغليب روح الابتكار والابداع لدى المعلم والطالب على حد سواء؟ ومتى يؤخذ القرار بتعظيم المد العلمي واستحداث جوائز خلاقة في مجال الأداء والإبداع والابتكار العلمي؟ ولماذا لا تتزايد الصناديق كالتي أعلن عنها خلال احتفالية الإبداع بغرض التحول نحو ثقافة الانتاج لا الإحباط والهزيمة المعنوية؟ ومتى نؤمن بأن لدى أبنائنا ما يقدمونه من إنجاز وعطاء بعد أن توفر لهم البيئة الحاضنة؟ وماذا ننتظر يا ترى حتى يصبح التغيير والتغير أمرا حقيقيا وواقعا؟

إن الأمة التي لا ترى في العلم والبحث العلمي والإنتاج المعرفي أساسا لوجدها لن تنجح ولن تستطيع قهر أعدائها ومحتليها. وفي التاريخ دروس كثر لأمم انتصرت عندما انتصر فيها العلم ومعه المعرفة والثقافة والفنون، وتقهقرت عندما غابت تلك العناصر من حياتها. فهل يشكل إصرارنا المتجددة على إقامة دولة العدالة والحرية والازدهار صحوة جديدة لمسيرة طال انتظارها؟