أسباب قبول إسرائيل ببيان "اللجنة الرباعية" الأخير، هي ذات الأسباب التي جعلت الجانب الفلسطيني، أول الأمر، يرفض هذا البيان. ففور صدور هذا البيان، أعلن وزير الشؤون الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن البيان "منقوص"، كونه لا يأتي على ذكر ضرورة وقف الاستيطان الإسرائيلي في المناطق المحتلة، كما تجاهل ذكر ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية لحدود العام 1967، والجديد، حسب المالكي، أن هذا البيان، أنه تضمن سقفاً زمنياً لمناقشة ملفي الحدود والأمن. إسرائيل من جهتها، أعلنت عن قبولها باقتراح الرباعية الدولية، كونه جاء متوازناً، كونه لا يشير إلى وجوب تجميد الاستيطان، كما أنه لا يلبي المطلب الفلسطيني بضرورة انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران 1967. واللافت أن إسرائيل لم تعلن رسمياً هذا الموقف حتى الآن، لكن ما تسرب من كواليس رئاسة الحكومة أشار إلى أن نتنياهو قد قبل فعلاً بمضمون بيان الرباعية الدولية.

كما يلاحظ، وربما وفي نفس التوقيت الذي أدلى به وزير الخارجية الفلسطيني، ببيانه المشار إليه، صرح صائب عريقات، رئيس الجانب الفلسطيني المفاوض، تعقيباً على البيان، بأن القيادة الفلسطينية ستدرس مقترحات الرباعية الدولية "الخاصة باستئناف المفاوضات في غضون شهر والسعي لاتفاق سلام مع نهاية العام القادم"، أي أن المالكي اتخذ موقفه على ما تجاهله بيان الرباعية الدولية، بينما عريقات، ركز على ما جاء في هذا البيان من مقترحات، متجاهلاً ما كان يتوجب على البيان أن يذكره بوضوح، وإذا ما راجعنا التصريحات الصادرة عن بعض القيادات الفلسطينية، في نيويورك، وإثر صدور بيان الرباعية الدولية المشار إليه، لاحظنا مواقف مختلفة غير منسجمة، حول الموقف من البيان.

وباعتقادي، أن كافة القيادات الفلسطينية قد رأت الثقوب العديدة في بيان الرباعية الدولية، وجاء بيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الخميس الماضي المتعلق بالموقف من البيان، ليحاول أن يسد معظم هذه الثقوب، إذ لوحظ أن البيان الصادر عن التنفيذية قد أكد أن هناك عناصر مشجعة وإيجابية في بيان الرباعية الدولية، خاصة تلك المتعلقة بالبرنامج الزمني، كما التأكيد على مرجعية المفاوضات وفقاً لمبادئ الرباعية الدولية، إلا أن بيان التنفيذية تغاضى تماماً عن تجاهل البيان الصادر عن الرباعية، للعملية الاستيطانية، والاكتفاء بالإشارة إلى ضرورة الامتناع عن القيام "بأعمال استفزازية" وتبرعت اللجنة التنفيذية، حسب بيانها، بتفسير خاص بها، وهو أن المقصود بالأعمال الاستفزازية هو النشاطات الاستيطانية، وكأنما بيان التنفيذية، يحاول سد هذا الثقب الكبير، بتبرئة مَن صاغ بيان الرباعية الدولية، من عدم ذكر النشاطات الاستيطانية بوضوح لا يقبل الشك، وعندما حاول بيان التنفيذية التهرب من آثار هذا "الإعفاء" وقع في فخ جديد، عندما أشار إلى أن النقاط المبهمة في بيان الرباعية الدولية، تقضي بأن يتم الإعلان الواضح عن وقف الاستيطان "خلال" التفاوض، والتفسير اللغوي لهذه الصياغة يعني أن مسألة الاستيطان يتم بحثها، أثناء المفاوضات، وليس قبلها، كما أكد ويؤكد الرئيس عباس ومعه كافة القيادات الفلسطينية، وعلى رأسها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وإذا كانت الرباعية الدولية، لا تمتلك الجرأة الكافية، وهي المشكّلة من القوى العظمى على المستوى العالمي، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا والولايات المتحدة، بحيث تشير إلى وقف الأنشطة الاستيطانية، بدلاً من قولها الأنشطة الاستفزازية، التي تترك المجال واسعاً أمام تفسيرات من هنا وهناك، إذا كانت الرباعية الدولية لم تمتلك مثل هذه الجرأة، فإن الجانب الفلسطيني تطوع "ومن جانب واحد" للدفاع عن هذا البيان، في محاولة لسد الثقوب الكبيرة التي اعترت هذا البيان!.

فكيف يمكن المراهنة على نجاح "الرباعية الدولية" في مساعيها لإحلال السلام في الشرق الأوسط، خاصة على الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، وهي لا تجرؤ على الإفصاح عن مواقفها بوضوح، وتعفي نفسها من مثل هذه المسؤولية، مكتفية، أو بالأحرى محملة الجانب الأضعف في ميزان القوى، الجانب الفلسطيني، مسؤولية الشرح والتفسير والتأويل، كي يقنع نفسه بما يريد لتبرير مواقفه بعيداً عن الحقائق والصياغات الواضحة المحددة.

ويبدو أن الجانب الفلسطيني، وهو في عز قوته، وذروة عنفوانه السياسي، من خلال تصديه لكل أشكال الضغوط، والإصرار على التقدم إلى المنظمة الدولية للحصول على عضوية دولة فلسطين، لم يستند إلى تلك القوة، وهذا العنفوان، ليواصل مسيرة التحدي الوطني، وحاول أن يجد بعض المساحات الضيقة في بيان الرباعية الدولية، ليبرر فيها موقفه غير المنسجم مع ما أفرزته خطوته التاريخية، فتعلق بأوهام ما تضمنه بيان الرباعية الدولية، حول البرامج الزمنية، وكأنها حبل إنقاذ من كافة ثقوب البيان العديدة، ونقول إنه تمسك بالوهم، لأنه يدرك أكثر من غيره، ماذا تعني هذه المواعيد والتواريخ لإسرائيل، كما لكافة أعضاء الدولية الرباعية، بل المجتمع الدولي، ولا شك في أنه يتذكر، كما يتذكر الجميع، تلك المقولة التي عبّرت، ولا تزال، عن الموقف الإسرائيلي من كافة المواعيد والاستحقاقات المرتبطة بتواريخ محددة، "ليست هناك مواعيد مقدسة"، هي العبارة السحرية التي سخرتها إسرائيل للتعبير عن سياستها الدائمة والمقدسة، قالها كافة رؤساء حكومات إسرائيل منذ اتفاق أوسلو حتى اليوم، ومَن يراجع الاتفاقات والتفاهمات التي عقدت بشكل ثنائي بين السلطة الوطنية وإسرائيل، وبرعاية من الولايات المتحدة، والرباعية، لا شك في أنه لا بد أن يتذكر أن كافة الأجندات الزمنية تم نسفها والالتفاف عليها علناً، ودون حاجة إلى تفسير أو شرح، إلا من خلال ترديد وتكرار المقولة المعروفة "ليس هناك مواعيد مقدسة"!!

ولا نعرف لماذا لم تستند "التنفيذية" عندما صاغت بيانها المذكور، إلى ما جاء في البيان الختامي للبرلمان الأوروبي، يوم الخميس الماضي، وقبل بيان التنفيذية بساعات قليلة، والذي تضمن موقفاً فلسطينياً، خاصة حول "حق لا يتزعزع للفلسطينيين في تأسيس دولة مستقلة"، وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ودولتهم، و"عدم قبول أي تغيير في حدود 1967 غير متفق عليه"، والأهم دعوة دول الاتحاد الأوروبي إلى موقف موحد بشأن حصول فلسطين على عضوية الأمم المتحدة الكاملة. مشكلة البرلمان الأوروبي، في ستراسبورغ، أنه لا يملك الصلاحيات الكافية لإلزام الدول المنضوية تحت علم الاتحاد تبني مواقفه. مع ذلك، يشكل إسناداً حقيقياً للموقف الفلسطيني، وداعماً له للضغط على دول الاتحاد الأوروبي من أجل تبنّي هذا الموقف.

وحتى بيان الجامعة العربية بهذا الخصوص، جاء أكثر قوة من بيان الرباعية، نتحدث هنا ونحن نتذكر المواقف الهشة للجامعة، فقد أشار بيانها إلى ضرورة أن تراجع اللجنة الرباعية الدولية سياستها ومواقفها، وتظهر الحزم واتخاذ سياسات عقابية لوقف الاستيطان، كما جاء في خارطة الطريق، وبينما لم تجرؤ التنفيذية على الحديث حول مبعوث الرباعية الدولية، توني بلير، قالت الجامعة العربية في بيانها "أنه لم يقم بواجبه ولم يمنح اللجنة المصداقية المطلوبة والأمانة، ولم يفعل ما كان يتوجب عمله من مواجهة إجراءات إسرائيل أحادية الجانب التي دفعت السلطة الوطنية للتوجه إلى الأمم المتحدة"، هذا بعض ما جاء في بيان الجامعة العربية حول الرباعية الدولية ومبعوثها توني بلير!!

لا يعني ذلك أن نفتح حرباً على اللجنة الرباعية الدولية، ولا أن ننقل المواجهة مع إسرائيل وحليفها الأميركي في هذه المرحلة، إلى جبهة أخرى، لكن ذلك يعني تحديداً الاستفادة من زخم الموقف الفلسطيني الصلب، للضغط على كافة الأطراف، ومن بينها الرباعية الدولية، لاتخاذ المواقف التي من شأنها تصحيح المسار التفاوضي بما يلبي الاحتياجات الوطنية الفلسطينية!!.