ما لم ننظر إلى المرأة ككيان أنساني لا يزيد ولا ينقص بالحقوق والواجبات عن كيان المرء الرجل وما لم نعتبر تحقيق المساواة والعدل بين جنسي الإنسان: الذكر والأنثى، انتصارا لإنسانيتنا، وما لم نسع إلى الارتقاء بمنظومة العلاقة بين الجنسين إلى مستوى الاعتراف والإقرار طوعا بأن قيمة الإنسان مثالية ومقدسة، لا تأثير لجنسه على مكانتها، فإن النظم الاجتماعية وتحديدا الموروثة ستبقى بمثابة عجلة ظلم تدور على الجنسين، حتى وان حاول الذكوريون دفع الإناث إلى مركز الضغط الاجتماعي أي (الطحن والهرس) مباشرة.
تبرز الحاجة إلى قوانين الدولة القوية في مجتمعات تبلغ فيها السيطرة والسطوة الذكورية حدا أعلى بكثير من الموجود لدى مجتمعات كائنات حية استمدت من الطبيعة نظامها الضامن لديمومتها، وفي سالب الصورة، تسقط السلطة الذكورية إلى قاع الانفلات الأخلاقي، حيث يتجسد العنف، والظلم والقهر، ويسود تفكك الشخصية والأمراض النفسية، بسبب مسعى الذكوري الدائم لتبوء موقع سلطة ما حتى ولو على حساب حقوق وحرية وحياة إنسان، لم يأت في إي تشريع سماوي مقدس أو في كتب فلاسفة ومفكري المجتمعات الحضارية أن الإنسان الذكر يملك قيمة إضافية على الإنسان الأنثى ولو بمقدار وزن حبة خردل.
تفيد قوانين الدولة وتشريعاتها في إظهار حسنات نظام العدل والمساواة بين الجنسين، خاصة إذا حملت التجربة والتطبيقات المدروسة بعناية براهين عملية على حسن الفائدة العائدة على الفرد والمجتمع على حد سواء، حيث يلمس الذكر قبل الأنثى الانعكاس الإيجاب لتمتع الإنسان الآخر بحقوقه وحريته وبقوانين وقيم المساواة والعدل، فيما تتخذ الإنسان الأنثى النظام الاجتماعي الحضاري فضاءً لا محدودا لإظهار إبداعاتها وقدراتها على إعلاء شأن النصف الآخر من الحياة، لإحداث التكامل الواجب والمطلوب لضمان انطلاق مسار الحياة نحو آفاق أعلى وأرقى.
نحتاج إلى قوانين دولة ثورية بمضمونها، وهذا يعني حاجتنا إلى رواد في مفاصل الدولة مؤمنين بالمضامين، ويعملون على تطبيقها بالتدرج السريع، لأن البطء قد يمكن السلطات الذكورية من تكوين جبهات تشن منها هجمات مضادة لكبح القوانين الثورية ثم ضربها والتشكيك بها تمهيدا لإلغائها، وهنا يتعين الانتباه أن لهؤلاء قواعد متقدمة وكثيرة متغلغلة حتى النخاع في هيكلية المجتمع، ويستخدمون منابر يفترض إلا تكون الدعوة منها إلا للحق والحرية والمساواة والعدل واحترام قيمة الإنسان.
أن إلغاء قوانين وجدناها قائمة بذاتها كجزء من موروث لا يتناسب ولا ينسجم مع عصرنا، أو إدخال تعديلات عليها بما يضمن رفع ظلم السلطات الذكورية، وتأسيس سلطة قانون عنده حق الأنثى لا ينتقص أبدا، وهنا نرى وجوب دعم هذه الخطوات الجريئة التي يجب أن تتوازى مع قرارات حركة التحرر الوطنية السياسية، خاصة وان تلك القوانين انعكاس لأنماط تفكير منظومة سلطوية اجتماعية سادت، واستماتت لتحافظ على هذا الشكل من سلطاتها الاجتماعية، الدينية، السياسية، وتلقت الدعم المباشر وغير المباشر من المعنيين ببقاء الصراعات بين طيات مجتمعاتنا، ومن اللامعقول واللا مقبول في عصرنا تهيئة مناخات تتيح لهؤلاء التحكم بحركة المجتمع واتجاهاته، وتمنع تقدمه، خاصة وان المبررات والتفسيرات المعلبة جاهزة، حيث اشتغل هؤلاء على ضمان قاعدة التسليم بالمنطوق، لدى الغالبية العظمى من الجمهور، واستفادت ليس من تغييب مقصود لملكة التفكر والتفكير والمحاكاة العقلية، والتجربة في هذه الشريحة الواسعة من المجتمع وحسب، بل لدى أدعياء يروجون لمقاماتهم على رأس لوائح النخب.