ما يعنينا الآن أن سوريا قد بدأت باستعادة هيبتها وسيادتها، وقدرتها على توجيه لكمات شديدة ومركزة على وجه رئيس حكومة دولة الاحتلال وجنرالات جيشه، وربما حينما يشاهدون حطام طائرتهم المعدنية أصلا، يحسبون أن التحليق في سماء دمشق والإغارة على إي موقع في سوريا لم يعد مجرد نزهة.

عادت سوريا، هكذا قد يكتب مؤرخو الصراع الفلسطيني العربي في الجبهة الأولى ودولة مشروع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري الإسرائيلي الأميركي من الجهة الأخرى ، فقد شهد صباح العاشر من شباط – يوم السبت- حدثا نعتقد بتميزه عن نمط العدوان والإرهاب الإسرائيلي على كل من الشعب الفلسطيني والسوري واللبناني وكذلك نمط الرد عليه في العقدين الأخيرين.

طائرة حربية أميركية الصنع من طراز (f16 ) يقودها طياران إسرائيليان، اخترقا سيادة سوريا ونفذا عدوانا من الجو على أراضيها، لكنها في هذه المرة لم تعد إلى قواعدها سالمة !! وإنما مشتعلة، لتهوي وتتحطم وتحرق معها – كما نعتقد وكما يجب أن يكون – قائمة الاحتفاظ بحق الرد، وليبدأ المؤرخون في كتابة عودة سوريا التي عرفناها ندا عربيا قويا في المعركة والصراع، صوتا بصوت، رصاصة برصاصة ومدفعا بمدفع، ودبابة بدبابة وطائرة بطائرة، فجيش نتنياهو قد تمادى، فكان لابد من الانسجام التام مع مبدأ السيادة وقوانين الشرعية الدولية والرد على المعتدين، وتلقينهم رسالة قد يفهمون مابين سطورها أن تمهلوا وفكروا وتعقلوا،أو قد ينوبهم بعض من الحرائق التي أشعلوها في سوريا بواسطة جماعات إرهابية، وأحزاب وقوى انفصالية وأخرى ترسم في الخفاء حدود دويلات طائفية وعرقية، وكل ذلك لإخراج الشعب السوري نهائيا من الصراع.

نعلم أن الرد السوري على العدوان الإسرائيلي وإسقاط الطائرة قد جاء بعد سلسلة أحداث متتابعة ومتسارعة، ربما ساعدت على صنع هذا التحول في المواجهة مع طيران وجيش دولة الاحتلال، ومنها غارة الطيران الأميركي على مليشيات مساندة للجيش السوري في دير الزور وقتل حوالي مئة شخص، كما سبق هذه الغارة ببضعة أيام إطلاق الجماعات الإرهابية المسلحة صاروخا محمولا على الكتف، أفادت تقارير انه أميركي الصنع، حيث أسقطت في المناطق المتاخمة للحدود التركية السورية من ناحية محافظة ادلب ومدينة جسر الشغور طائرة سوخوي 25 روسية وقتل طيارها، وسبق إسقاط الطائرة ثلاث غارات إسرائيلية على مناطق مختلفة في ضواحي العاصمة دمشق وفي مناطق بوسط سوريا، ادعى جنرالات جيش الاحتلال إنها مواقع ومصانع عسكرية لإيران وحزب الله اللبناني.

ربما فرضت الوقائع على الأرض هذا التحول، فروسيا التي تعتبر تزويد واشنطن للجماعات المسلحة - وتحديدا الإرهابية في سوريا- بصواريخ لإسقاط الطائرات، لا يمكنها الصمت أو تغافل هذه التطورات، وعلى العكس فربما اعتبرت موسكو إسقاط طائرتها السوخوي ابتداء لمرحلة جديدة، تجاوزت فيها واشنطن كل التفاهمات، ما يعني وجوب بعث رسالة لواشنطن بأن حلفاءها في المنطقة بما فيهم إسرائيل لم يعودوا بمأمن.. فكانت رسالة ردع قوية لإسرائيل، قاعدة واشنطن العسكرية الأكبر والأعظم في المنطقة.

صحيح أن روسيا قد وفرت الغطاء لتقوم الدولة بسوريا بواجب الدفاع عن سمائها وأرضها، بحكم اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، لكن ما يهمنا هنا أن عملية ردع دولة الاحتلال ( إسرائيل ) عن سوريا قد بدأت، وقد تشهد الأيام القادمة فيما إذا كانت المواجهة إستراتيجية سورية جديدة، او مجرد رسالة روسية لواشنطن، أو أكثر من ذلك حيث تؤكد موسكو أنها حليف يمكن الوثوق به، بخلاف واشنطن التي أثبتت التجربة استغلالها لحلفائها، وتخليها عنهم في المنعطفات المصيرية، وأكثر من ذلك سمة الغدر والاستعلاء التي تميزت بها سياسة البيت الأبيض الأميركي وخصوصا في السنة الأولى من عد الرئيس دونالد ترامب، وتجربتنا نحن الفلسطينيون مع الإدارة الجديدة شهادة بينة على ذلك.

لا نريد حروبا، ولا نتمناها، فنحن ضحاياها وضحايا إرهاب صانعيها وتجارها، والذين يتخذونها لإخضاعنا والسيطرة علينا وفرض شروطهم علينا وعلى الشعب العربي السوري، وننتظر اليوم الذي تخرج فيه الشقيقة سوريا من دائرة الصراع الدموي الداخلي، وتعود إلى دائرة الصراع مع الاحتلال، كجبهة عريضة وعمقا استراتيجيا للقضية الفلسطينية، كما كانت منذ احتلال البريطانيين لفلسطين، فالسوريون كانوا في ثورات على الاستعمار الفرنسي، بالتوازي مع مشاركتهم في ثورات الشعب الفلسطيني ضد (الاستعمار الانكليزي ) لفلسطين، ولعل الجبلاوي الشيخ عز الدين القسام، والحموي سعيد العاص نموذجين من تلكم الصفحات التاريخية، حيث اثبت السوريون وحدة المصير العربي، وارتباط حلقات مستقبل الشعوب العربية، حتى قبل نشوء النظريات الحزبية القومية، فالعربي لم يكن بحاجة إلى تنظيرات سياسية، أو مساجلات إيديولوجية حتى يعتقد أن ما يصيب فلسطين ( وهي بموقع القلب في الجسد ) سيصيب جسد الأمة.