خاص مجلة القدس/ الاصدار السنوي العدد 344 كانون الثاني 2018
رام الله- حوار: وسام خليفة
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، ممثَّلةً برئيسها دونالد ترامب، اعترافها بالقدس عاصمةً لكيان الاحتلال الإسرائيلي، مخالفةً بذلك جميع الاتفاقات والقرارات الدولية التي ترفضُ هذا الاعتراف بالنّص الواضح منذ عقود عديدة. وردًّا على هذا الإعلان، قال سيادة الرئيس محمود عبّاس إنَّ أمريكا لم تعد شريكًا حقيقيًّا في صنع السلام، لتبدأ المؤسَّسة السياسية الفلسطينية مرحلةً جديدةً من البحثِ عن راعٍ جديد للسلام والشروعِ بخطواتٍ على أرض الواقع من أجل تثبيت الحقِّ الفلسطيني. وللوقوف على أهمِّ التطوّرات السياسية الفلسطينية التقت مجلّة "القدس" عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، نائب رئيس الحركة محمود العالول "أبو جهاد"، ليطلعنا على آخر المستجدّات حول القضايا المطروحة.
كيف تُقيِّمون الوضع السياسي الفلسطيني بعد إعلان الرئيس الأمريكي القدس عاصمةً لـ(إسرائيل)؟
لقد شكَّل إعلان الرئيس الأمريكي القدس عاصمةً لإسرائيل فرصةً مواتيةً لنا للانفكاك من العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ لم يعُد لدينا أدنى شك بأنَّ الولايات المتحدة لن يأتي منها أيُّ شيء فيه خيرٌ للشعب الفلسطيني وللأمّة العربية، وبهذه الخطوة التي أقدمت عليها فإنَّها لم تعد منحازةً للاحتلال الإسرائيلي كما عهدناها، وإنَّما أصبحت شريكةً في الاحتلال. ومَن ينظر للعلاقة مع أمريكا عبر كل الإدارات الأمريكية المتعاقِبة يجد أنَّه ليس هناك ما نخسره، فُهم لم يُقدِّموا لنا شيئًا، إذ كانوا دائمًا يُطلقون الوعودَ في مرحلة الانتخابات وتنصيب الرئيس والتي لا تلبث أن تتبخَّر بعد ضغوطات اللوبي الصهيوني، ليقولوا لنا انتظروا إلى الانتخابات القادمة، وهذه الدائرة المفرغة التي نعيش فيها منذ عقود. أمَّا الجديد اليوم، فهو مغالاة انحياز إدارة ترامب للاحتلال، حيثُ أنَّ كلَّ المحيطين به، والذين عيَّنهم لمتابعة ملف الشرق الأوسط مُنحازون لإسرائيل، ومَن يتتبَّع خلفياتهم يعرف أنَّهم من المستوطنين أو المقرّبين جدًا من الاحتلال، بل ويمكن وصفهم بالشركاء فعليًّا، ذلك أنَّ الولايات المتحدة تعمل على "سحب البساط" من تحت أرجل الفلسطينيين بهدف محاولة تطويعهم والضغط عليهم ليُقدِّموا تنازلاتٍ مصيريّةً.
وفي الوقت ذاته، يرى الكثيرون أنَّنا دخلنا في معتركِ صراعٍ مع الولايات المتحدة التي تُخيف العالم بتحييدنا إيّاها عن قضيّتنا، فنحنُ نُدافع عن قضايانا الأساسية فيما يتعلَّق بالقدس، وهذا لا يخضع للمساومة أبدًا، بغض النظر عنها وعن القوى العظمى في العالم. صحيح أنَّنا كنا نتمتَّعُ بمرونةٍ زائدةٍ في فترات سابقةٍ، إلّا أنَّ ذلك كان في قضايا غير أساسية، ونحن نُدرِك أنَّها مرحلةٌ خطرةٌ، لكن الموقف السياسي إزاء ما حصل يُشكِّل دافعًا من أجل التفاف الجماهير حول القيادة الفلسطينية لصناعة انسجام داخلي يُساعد على مواجهة هذا التحدي الكبير، ونحن نبذلُ جهدًا كبيرًا لصناعة هذا الانسجام، لهذا تُنظَّم فعالياتٌ ميدانيّةٌ دائمةٌ في الشارع الفلسطيني رفضًا لقرار ترامب، وتعبيرًا عن الغضب الفلسطيني، وإضافةً إلى ذلك قُمنا بحراك سياسيٍّ موازٍ ومستمرٍّ يهدف إلى عزل السياسة الاحتلالية الإسرائيلية والأمريكية أيضًا، وهذا ممكن، فالعالم يرى هذه العُزلة التي وَضعَت الولايات المتحدة نفسها فيها حيثُ انضمَّ لصفّنا حلفاؤها التقليديون، كما أنَّنا نبذُل جهدًا كبيرًا في مواجهة هذا التحدي من خلال تثبيت مكاسبنا على المستوى الدولي التي صنعناها خلال الفترة الماضية، ونحنُ قد ذهبنا إلى مجلس الأمن، وإلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والآن سنذهب مرة أخرى إلى مجلس الأمن والجمعية العمومية من أجل نيلِ الاعتراف الكامل بدولة فلسطين، وليس بصفة "عضو مراقب" فحسب، وهناك عملٌ حثيثٌ يجري على جميع المستويات، حيث أنَّنا سنعقد خلال الأيام القادمة المجلس المركزي الفلسطيني من أجل اتِّخاذ قراراتٍ لها علاقة بهذا السياق، لتصليب الموقف الفلسطيني والوضع الداخلي، وإيجاد حالةٍ من الانسجام لمواجهة التحدّيات القادمة كافّةً.
بعد تعقُّد العملية السياسية، وتزايد الضغوط الممارَسة على القيادة الفلسطينية، والمعطيات الموجودة، برأيكم ماذا سيحملُ العام 2018 معه للقضية الفلسطينية؟
برأيي هناكَ آفاقٌ واضحةٌ تمامًا تدلُّ على أنَّ العامَ الجديدَ سيحمِلُ إنجازاتٍ سياسيّةً جديدةً، وأنَّنا سنحصدُ المزيد من الاعترافات من دول العالم بفلسطين الدولة، لتُصبح فلسطين دولةً كاملةَ العضويةِ في الأُمَم المتحدة. وآملُ من خلال تكثيف جهودنا في هذا المجال أن نتمكَّن من استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية من أجل مواجهة هذه التحديات، وسيكون العام 2018 إن شاء الله عام تعزيز الصمود في مواجهة الصعاب التي اعترضتنا خلال السنوات الماضية.
كلامٌ كثيرٌ يدورُ حول صفقة الرئيس الأمريكي لحلِّ القضية الفلسطينية والضغوطات الممارَسة على قيادتنا لتقديم تنازلات، هلَّا أوضحت لنا طبيعةَ هذه الصفقة وماهيّة التنازلات؟
بدايةً أؤكِّدُ أنَّه لم يعد هناك أي شيء يُسمَّى بـ"صفقة القرن"، لأنَّ مَن كان يتحدَّث عنها هو الرئيس ترامب، ونحن لدينا حُكمنا الـمُسبق عن طبيعتها. فخلال التعامل معه في أول سنة من حكمه لم نحصل على شيء جيِّد وملموس للشعب الفلسطيني، بل لم نَنَل منه سوى الشر، وحتى هذه اللحظة لا توجد معالم لهذه الصفقة، فهو تحدَّث عن صفقةٍ وفي كلِّ مرّة يقولُ إنَّها تتضمَّنُ أفكارًا رائعةً، لكن ما هي هذه الأفكار لا أحد يعلم! فقط كانوا يُجيبُونَنا بأن لا تخافوا ستكون خلّاقة، وستقوم بحلِّ القضية الفلسطينية بشكل مُرضٍ للفلسطينيين، ولكن هل مَن يريد عقدَ صفقة قرن، بمعنى صفقة سلام، يُعلن القدس عاصمةً لكيان الاحتلال الإسرائيلي؟! كيف يقوم سلفًا بحسم القضايا الجوهرية التي لها علاقة بصناعة السلام لاحقًا، ويقول إنَّ القدس لإسرائيل؟! لا أعلمُ حقيقةً ماذا حصل له، هل غُرِّرَ به، أو حدث معه شيء آخر، لكن برأينا هو لا يُدرك قيمةَ القدس بالنسبة للفلسطينيين وللعرب، وللعالم أجمع. إنَّ القدس هي مهد المسيح عليه السلام وارتبطت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وصلاح الدين. هذه القدس التي استشهد من أجلها الرئيس الشهيد ياسر عرفات، هذه قُدس المسلمين، والمسيحيين، والعرب، والفلسطينيين، ولا يُمكن لأحدٍ التنازل عنها ولو استمرَّ الصراع لمئات السنين، فهذه المسألة محسومةٌ تمامًا بالنسبة لنا كفلسطينيين.
أثارَ توجُّه سيادة الرئيس لقمَّة تركيا أسئلةً وتحليلاتٍ حول احتمالِ أنَّه يسعى لصنع طرفٍ جديدٍ يرعى القضية الفلسطينية بعيدًا عن الولايات المتحدة، فما ردّكم على ذلك؟
هذه ليست محاولةً للضغط على أيِّ طرف، فقد قال السيّد الرئيس محمود عبّاس بشكلٍ واضحٍ تمامًا أنَّ أمريكا بعد قرار ترامب لم تعد مؤهَّلةً لتؤدّي دورًا في الشرق الأوسط، أو لتقوم بدور الرعاية لأيِّ حلِّ سلام، مُؤكِّدًا أنَّه لا يمكن أن يُقبَلَ أيُّ حلٍّ منها بعد الآن. وقد تحدَّثنا مع العديد من القوى في العالم من أجل محاولة تشكيل مرجعيّةٍ دوليّةٍ جديدةٍ لأيِّ أمر يخصُّنا.
تحدَّثت وسائل إعلام عن توجيه إيران دعوةً لسيادة الرئيس لزيارتها، فما صحة ذلك؟
تنتشرُ اليوم العديدُ من الأخبار عبر وسائل الإعلام الحديثة،كوسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وهي في كثيرٍ من الأحيان لا تستند إلى مرجعية أو مصادر دقيقة، وهذا الأمر بات معروفًا. وللتوضيح، نحن لم نتلقَّ دعوةً من إيران أبدًا، ونؤكِّد أنَّ بوصلتنا باتّجاه القدس، وعدونا الأساسي هو الاحتلال الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الشريكة للاحتلال، ونحن حريصون على علاقات إيجابية مع الجميع في هذا الإطار.
كيف تصف وضع المصالحة الفلسطينية بعد مضي عدة أشهر على بدء العمل على إنجازها؟
لقد أصدر سيادة الرئيس محمود عبّاس تعليماتٍ ببذلِ كافّة الجهود لإنجاز المصالحة، ونحنُ سنبذلُ جُلَّ جهودنا من أجل المضي بها، وإنجاحها، وتحقيق إنجازاتٍ أكثر في الفترة القادمة، وسنُطبِّق خطواتٍ أوسع من أجل ذلك، لأنَّها أهمُّ القضايا التي تُؤهِّلنا لمواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، فوحدة الصفِّ الوطني مطلوبةٌ، واتِّحادُنا سيزيدُ من صلابة موقفنا، وسيُعزِّز خطواتِنا على طريق تحقيق إنجازاتٍ جديدةٍ للخروج من الموقف الصعب الذي نعيشه، فلا يستطيع أحد مساعدتك إن لم تساعد نفسك أولاً.
برأيكم هل من الممكن أن تعترف دولٌ بيهودية دولة (إسرائيل) بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل؟
الاعتراف بيهودية الدولة يعني أن يعترف العالم بأنَّ أرضَ فلسطين هي دولةٌ لليهود، وهذا يُشكِّل مقدمةً لنفي الآخرين حسب روايتهم التاريخية التي بُنيَت على الأكاذيب وتُعرَف بـ"نفي الأغيار"، أي نفي كلِّ مَن هو ليس يهوديًّا، ولكن أرضنا فلسطينية، وأيُّ حديث عن يهودية الدولة هو إجحافٌ بحقِّ كلِّ الفئات الأخرى التي تعيش على أرض فلسطين، ولا أعتقدُ أنَّ أيَّ دولةٍ ستعترفُ بيهودية (إسرائيل)، إلّا إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى من أجل ذلك، ومن الممكن أن تَلحقها بعضُ الدول التابعة لها، والتي لم يسمَع كثيرٌ من سُكان العالم بها أصلاً، وهالتي لا تمتلكُ أيَّ وزنٍ في السياسة الدولية. وبالتالي هذا أمرٌ غير مقبولٍ أبدًا، ولا يُمكن السماح به، لأنَّه مُجحِف بحقِّ الرواية الفلسطينية، وبحقِّ اللاجئين الفلسطينيين، وبحقِّ أبناء شعبنا الموجودين على أرض فلسطين التاريخية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها