بقـلم/ هيفاء داوود الاطرش
كثيراً ما تردد في الآونة الاخيرة وبعد الأزمة السورية، محاولات تهجير الفلسطينيين إلى بعض الدول الأوروبية والغربية؛ هذه السياسة التي يتم اتباعها بعد كل حرب تجتاح أي دولة عربية، أبرزها كان إبان اجتياح بيروت عام 1982 حتى يومنا هذا؛ ضمن كل الأزمات التي كانت تلم بالدول العربية وكان من أهداف افتعال تلك الازمات انهاء التمثيل الفلسطيني وبالتالي وأد حق العودة بطريقة ما . وبالفعل كان أبناء الشعب الفلسطيني نتيجة الظروف القاهرة وقلة يد الحيلة وانعدام مقومات الحياة التي تفرزها الحروب والأزمات الداخلية، يجدون أنفسهم مجبرين على الهجرة إلى بلادٍ تفتح لهم أبوابها ليواجهوا بعدها رحلة عذابٍ أخرى وإن كان قد تم تأمينهم بشكل جزئي ،حيث يلهث الفلسطينيون هناك، خلف تأمين قوت عائلاتهم تحت عنوان تأمين المستقبل، هذا غير الأزمات النفسية التي يتعرضون لها كونهم انسلخوا عن مجتمعاتهم التي ولدوا فيها، وكونهم يعانون من تمييز عنصري سواء في فرص العمل المتاحة أو الخدمات من المجتمع الجديد الذي وجدوا فيه فجأة وبدون سابق إنذار.
واليوم يتعرض الفلسطينيون في سوريا لثاني أقسى هجرة في تاريخهم المعاصر، نتيجة الصراع القائم هناك، وقد شبه مراقبون وحتى الفلسطينيون أنفسهم ،هذه الهجرة القسرية من سوريا بهجرة 1948ـ نكبة فلسطين حيث هجروا إلى دول الجوار، وكان معظمهم إلى لبنان.
وقد سجلت شهادات كثيرة للمهجرين الفلسطينيين، تصور مأساة خروجهم من سوريا، بعدما كانوا ينعمون بحياة الاستقرارمن الناحية المدنية ، وإذ بهم يتم زجهم في أتون المعارك الحاصلة في سوريا، لتبقى مخيماتهم تحت النار، مما هدد أمنهم وحياتهم فوجدوا أنفسهم مهجرين جدداً.
ونرى الآن كيف شرعت أبواب الهجرة الغربية لهم من جديد،والسؤال هنا إلى متى يبقى معظم المهجرين الفلسطينيين من سوريا متمسكين برفض الهجرة للخارج، فالمراقب لحركة المساعدات الدولية عبر المنظمات الدولية والجمعيات المحلية، يرى أنها كانت منذ البداية شحيحة، وهي في تناقص واضح، وهذا مؤشر على عدم التعاطي بجدية مع الأزمة الانسانية المتفاقمة يوماً بعد يوم، وخاصة على الأراضي اللبنانية، وفي ظل ضعف سوق العمل فيها، وضعف إمكانياتها، يزداد الشعور بالاختناق لدى المهجر الفلسطيني، بعدما كاد أن ينطفىء بصيص الأمل، حالما اشترط الطرف الإسرائيلي تنازل المهجرين الفلسطينيين من سوريا عن حق العودة، مقابل دخولهم للأراضي الفلسطينية، ردا ً على طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الضغط على إسرائيل للسماح بدخول فلسطينيي سوريا لأراضي الدولة الفلسطينية، نتيجة تهجيرهم من مخيماتهم هناك.
وهنا نطرح تساؤلاً متواصلاً مع ما أسلفناه، هل سيرضخ المهجرون الفلسطينيون ويركبون بواخر الغربة نحو المجهول بعيداً آلاف وآلاف الأميال عن وطنهم فلسطين، كما فعل جزء منهم مستسلماً لمراكب الموت البحرية لتتلقفهم أمواج الغدر والجشع الانساني المتمثل بمافيا تجارة البشر، والنتيجة لا يصل إلى تلك البلدان إلا طويل العمر منهم، بعد أن تخصه نوائب الدهر بفقد أحد أفراد عائلته أو كلها.
ومع توارد أخبار الموت لأولئك المهاجرين - كما حصل في حادثتي غرق المركبتين اللتين أقلتا هؤلاء اللا مغامرين في 3 أكتوبر و11 أكتوبر 2013 والتي فقد فيها أكثر من 200 مهاجر من ضمنهم فلسطينيين مهجرين من سوريا– تتعالى الأصوات الدولية لفتح باب الهجرة الشرعية للدول الاجنبية تحت عنوان (تأمين مستقبل أفضل للاجئين المتضررين من الازمة السورية) وبالطبع ستشمل اللاجئ الفلسطيني.
وإن ما ورد على لسان غوتيريس رئيس المفوضية العليا للاجئين، التابعة للامم المتحدة، لهو خيردليل على ذلك ،حيث عقد مؤتمر صحافي في ختام اجتماع اللجنة التنفيذية للمفوضية بمشاركة 135 دولة و7 منظمات حكومية والبنك الدولي و9 وكالات تابعة للأمم المتحدة و29 منظمة غير حكومية ومشاركة الأردن والعراق وتركيا ولبنان ومصر بتمثيل الخارجيات، وفحواه إمكانية استقبال 17 دولة لأكثر من عشرة آلاف لاجئ من سوريا ،ولا ندري مقدار ارتفاع هذا العدد في اجتماعات أخرى قادمة !!.
في الحقيقة أن جميع التساؤلات ستجد إجابة وحيدة مطروحةً ضمن مطلبٍ لا يزال مخفياً في جعبة هؤلاء المهجرين الفلسطينيين، الذين كانوا ولا يزالون يتنفسون حب وطنهم الذي هجر عنه أجدادهم وآباؤهم. خاصةً في ظل الحديث عن عدم قدرتهم على العودة الآمنة لمخيماتهم وتدمير وتضرر منازلهم وحياتهم هناك بالإضافة إلى الاجندات المطروحة على الطاولة، وفي ظل استمرار الأزمة السورية التي يقدرها المحللون السياسيون والمراقبون للوضع هناك.
أعتقد أن المهجرين الفلسطينيين من سوريا سوف يعاودون المطالبة- من تلقاء أنفسهم - بالدخول إلى أراضي دولة فلسطين، لأن ذلك سيكون الخيار الأفضل والوحيد مقابل الهجرة والتغريب بعيدا عن وطنهم، فالعيش في الأراضي الفلسطينية أفضل لهم من حياة في دولة غريبة عنهم بكل تفاصيلها. وفي ظل استمرارتهديد مستقبلهم وعدم تعاطي المنظمات الدولية والدول المانحة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين مع وضعهم الجديد من الناحية الانسانية، كمهجرين لهم متطلباتهم الخاصة؛ وبالنظر إلى إرادات الدول القوية في العالم والمنطقة العربية، وإذا ما رجحت كفة التهجير للدول الاجنبية، سيكون ذلك هو المسمار الاخير في نعش قضية اللاجئين الفلسطينيين، ولا ندري متى تكون عملية الانبعاث مرة أخرى لتلك الحقوق الفلسطينية، ضمن التكتلات الدولية التي تجر شعبنا إلى هاوية الأمر الواقع؛ وهذا ما كنا نحذر منه بأن إسرائيل وحلفاءها سيستفيدون من كل المتغيرات الحاصلة في الوطن العربي، من أجل تحقيق أهدافهم الاستراتيجية، طبعا مع إيماننا المطلق بأنهم هم من هيئوا لتلك الظروف تحت مسمى (الربيع العربي)، مع قناعتنا بأن الشعب العربي كان قد انتفض برغبة صادقة من أجل التغيير ،حيث استثمر من قبل تجار الدم الذين يجيدون ركوب الأمواج لحصادهم الخاص .
وهناك آراء سياسية تشجع على دخول المهجرين الفلسطينيين إلى أراضي الدولة الفلسطينية، لأن التشاورات ضمن المفاوضات الإسرائيلية والفلسطينية كانت سابقاً تطرح عودة جزء من اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي الدولة، لأن إسرائيل لا تفسر حق العودة على أنه الرجوع لفلسطين التاريخية ، وبرأيي وبغض النظر عن أن حق العودة هو حق فردي ولا يمكن التنازل عنه، فإننا نشير إلى وجود عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948والذين سكنوا أراضي الـ67 والتي تعتبرأراضي الدولة الفلسطينية القادمة، فهم عملياً سيكونون من سكان تلك الدولة .
وحسب الواقع السياسي القادم، وأمام تلك المعطيات والظروف القاهرة التي يعيشها المهجرون الفلسطينيون من سوريا ،وحتى اللاجئون بالمجمل في دول الطوق ، فلم لا يتم استيعاب هؤلاء المهجرين في دولتهم المقبلة، لحين الحديث بالحلول النهائية ؛وهنا تقع المسؤولية الكبرى على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للعمل بشكل جدي وسريع أمام التداعيات الخطيرة المتواصلة للأزمة السورية ،وهم حاملو راية المشروع الوطني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها