مئة عام من الصراع مع الصهيونية وداعميها والمتواطئين معها، مئة عام من التضحيات، والشعب الفلسطيني لم يرضخ ولم يستسلم، وأكثر من ذلك، لا يبدو عليه التعب. كلام الرئيس محمود عباس في الذكرى 53 لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وكلام فتح، يؤكد على مواصلة الكفاح حتى يحمل الصهاينة المحتلين أسماءهم وينصرفوا.

من لم يلاحظ هذه الحقيقة، بعد كل هذا الصراع الطويل والمرير، هو نتنياهو وحكومته العمياء بالتطرف والعنصرية، وترامب وإدارته اليمينية الذين اعتقدوا أنهم "بوعد القدس" يمكن أن يخضعوا الشعب الفلسطيني. لكن إن جيلاً فلسطينياً عمره اقل من العشرين هو الذي خرج للميدان وقام بالرد على ترامب.

توحد الشعب الفلسطيني، توحدت أجياله، توحدت طوائفه، توحدت فصائله في رفض ومقاومة الوعد الجديد كما يقاومون وعد بلفور منذ مئة عام. لم يدرك نتنياهو وترامب إن الفلسطيني ينام ويصحو على خارطة فلسطين، يراها قبل أن يرى وجه أمه وأبيه وإخوته وإخوانه.

وهنا لا أتحدث عن الفلسطيني الصامد على أرض فلسطين التاريخية وحسب، وإنما عن الطفل الفلسطيني من تشيلي إلى استراليا وفي كل مخيم لجوء فلسطيني في المنفى، الخارطة سره وغذاء روحه ولن يسلبها احد من قلبه وعقله.

قرار حزب نتنياهو، حزب الليكود، بضم مستوطنات القدس والضفة أو ضم الضفة، لن يغير في جوهر الصراع وطبيعته أي شيء، كل ما فعلوه هو أنهم أعادوا الصراع إلى مربع الوضوح.

علينا أن ندرك أن الصهيونية بطبيعة تكوينها لا تستطيع التعايش مع السلام، لذلك اغتالت رابين واغتالت معه تجربة السلام الذي أراد رابين الصهيوني بامتياز من خلاله أن يتفادى الخطر الديموغرافي الفلسطيني.

نتنياهو وحكومة المستوطنين المصابين بعمى العنصرية والتطرف أعادوا الصراع إلى مربع الصراع الوجودي بكل ما في الكلمة من معنى. لذلك قال الرئيس في احتفال انطلاقة الثورة نحن هنا باقون ولن نرحل ولن نكرر خطأ الهجرة ولن نرضخ.

يبدو أن نتنياهو وترامب لم يستفيدوا قط من دروس الصراع ولا من تجربة جنرالات الحرب الصهاينة وما استنتجوه من الميدان لم يصبحوا لما صحا عليه رابين وحتى شارون ومن قبلهم موشي ديان بأن إسرائيل لا يمكنها السيطرة على الشعب الفلسطيني، لأنهم أدركوا أن الفلسطيني لا ييأس ولا يتعب ولن يرضخ.

شعب وبالرغم من إدراكه لحجم المؤامرة عليه وعلى قضيته، ويدرك حجم قوة أعدائه، وليس المقصود إسرائيل وحدها وإنما الاستعمار العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يدرك حجم التواطؤ مع المشروع الصهيوني، هذا الشعب وبالرغم من كل ذلك لم يرضخ ولم ييأس لأنه صاحب قضية عادلة لذلك هو سينتصر.