الطفلة عهد التميمي، ابنة قرية النبي صالح دونت مكانتها في سجل الكفاح الوطني كنموذج رائد للطفولة الفلسطينية، منذ نعومة أظفارها، عندما صرخت بأعلى صوتها في وجوه الطغاة المستعمرين حين اعتقلوا أمها ثم شقيقها، وعندما وقفوا على سطح بيت عائلتها. لم تهب عهد ابنة الـ 14 عاماً يوماً من المستعمرين الإسرائيليين، لأنها وهي تتلمس الطريق للشارع والحارة والمدرسة كانت تصطدم في كل لحظة مع أبشع رموز الاحتلال من ضباط وجنود جيش الموت الإسرائيلي وقطعان المستعمرين في مستعمرة حلميش وغيرها من المستعمرات المحيطة بقرى غرب رام الله، كانت ترى بأم عينيها الصغيرة كل انتهاكاتهم وجرائم حربهم ضد أهلها وذويها وأبناء قريتها والقرى المجاورة، وهو ما كان يزيدها قوة وشراسة في التصدي بسواعدها الرقيقة، وصوتها الطفولي الملائكي، وعزيمتها الفولاذية.

عهد الطفلة الباسلة رضعت حليب الوطنية وهي تحبو، وشبت يوماً تلو الآخر على التحدي والمواجهة مع أعداء الشعب المحتلين الصهاينة. هذه العهد لم تستكن، ولم تهدأ، كما اللبؤة الصغيرة تعلمت في عرين والديها كيفية الدفاع عن الذات، وعن حبها لقريتها ووطنها الأم فلسطين، وهاجمت بقوة وإرادة صلبة الجنود المحتلين بالركلات والصفعات، الذين سيطروا على سطح منزلها، وهو ما أغاض واستفز وسائل الإعلام الإسرائيلية، ودفعها للتحريض على عهد وشقيقتها نور ووالدتها ناريمان ووالدها باسم، وهم يطردون جنود جيش الاستعمار الإسرائيلي، ما دعا قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين لإصدار أمر باعتقال كل أفراد العائلة أول أمس، وأمس، دون أي وازع لعمرها وعمر شقيقتها، ومددوا اعتقالها. ويمكن أن يتم تمديد اعتقال أفراد العائلة أياماً أخرى لمجرد دفاعهم عن بيتهم، ورفضهم سيطرة جيش الاحتلال على سطح المنزل، واستخدامه موقعاً لمهاجمة المنتفضين من أبناء قريتها والقرى المجاورة، الرافضين لإعلان الرئيس ترامب بشأن القدس، وبالأصل الرفض للاستعمار الإسرائيلي.

تجربة الطفلة عهد وعائلتها في الدفاع عن حقها بالحياة الحرة والكريمة استحوذت على إعجاب الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي، وتناقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تجربتها الكفاحية لتعميمها على نطاق واسع، وتعرف العالم أجمع على قصة الطفولة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي البغيض، وتؤكد أن الشعب العربي الفلسطيني بقضه وقضيضه: أطفاله وشبابه وشيبه، نسائه ورجاله من مختلف الأعمار، ومن مختلف قطاعات الشعب ترفض الاستعمار الإسرائيلي، ويتصدى له بسواعده العارية وحجارته وإرادة البقاء والحرية حتى تحقيق الأهداف الوطنية كاملة غير منقوصة وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين على أساس القرار الدولي 194.

الطفلة عهد التميمي أمست إيقونة وطنية، ورمزا للكفاح الشعبي المتعاظم، وهي امتداد طبيعي لكل أطفال الشعب الفلسطيني، الذين دافعوا عن ثرى الوطن في معارك الشعب المتواصلة منذ النكبة قبل 69 عاما، وقدم العديد منهم أرواحهم أمثال فارس عودة، ومحمد الدرة، ومحمد أبو خضير، فضلاً عن اعتقال العشرات والمئات منهم. ولن تثني عهد وشقيقتها ووالدتها ووالدها، عملية الاعتقال الجبانة من قبل جيش الموت الإسرائيلي وستنتصر رغماً عن بطش ووحشية المستعمرين الإسرائيليين.

أن اعتقال جيش الاستعمار الإسرائيلي للطفلة عهد وعائلتها وصمة عار في جبين الدولة الاستعمارية وكل من يقف معها وخلفها، كما الإدارة الأميركية، وفي ذات الوقت تستدعي من العالم الحر وكل مناصر لعملية السلام الدفاع عن كل أطفال ونساء فلسطين للإفراج عنهم، ودعم كفاحهم العادل لنصرة قضيتهم، وفرض العقوبات على دولة الاستعمار الإسرائيلي لإلزامها بالانسحاب من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة منذ خمسين عاما خلت، وضمنا رفض القرار والسياسات الأميركية الجائرة، والمتناقضة مع مواثيق وقرارات الشرعية ومرجعيات عملية السلام.

عهد.. الزهرة الفلسطينية الباسلة ستنتصر على الجلاد الإسرائيلي، وسينتصر معها الشعب، كل الشعب العربي الفلسطيني، وسيندحر الاحتلال الإسرائيلي، وسترى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية النور عما قريب.