صورة واحدة تاريخية هي التي يمتلكها الشهيد الطفل فارس عودة (1985-2000)، التقطت له بالغصب قبل أيام من استشهاده، لتوضع على تأمين أمه الصحي.
بعد تلك الصورة بأربعة أيام، سيلتقط مصور صحفي الصورة التي ستصبح رمزاً تاريخياً ووطنياً للانتفاضة الثانية (2000-2005)، طفلاً يقف أمام رتل من مجنزرات الميركافا والجرافات الاحتلالية الضخمة، يقذفها بحجر.
فارس الذي استبدل طريقه إلى المدرسة منذ بدايات تشرين الأول/ أكتوبر 2000، فأصبحت تجاه مستوطنة "نتساريم" ومعبر المنطار وغيرهما من مواقع المواجهات الساخنة في القطاع، كانت له خططه في الاختباء والتخفي من القبض عليه متلبساً بآثار المواجهات، فقرب المدرسة كان فارس يُخبئ ملابساً يستخدمها يوميا خلال المواجهات، وحين ينتهي يُبدلها بملابسه النظيفة التي خرج بها صباحاً للمدرسة، وكان والده شديداً وقاسياً عليه، وقام بضربه في كثير من الأحيان لمنعه من الذهاب للمواجهات، لكن فارس لم يكن يقنعه أو يمنعه شيء في العالم من الانخراط في الانتفاضة ورشق الحجارة.
أنعام عودة، والدة فارس قالت، في الذكرى الـ17 لاستشهاده، التي تصادف غداً، الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر: "كان يحب الدبكة، وحين يعود من المدرسة يفتح التلفاز على الأغاني الوطنية والشعبية ويشعل البيت بدبكته، ابن ابني وأشقائي والعائلة بأكملها سمت مواليدها الجدد باسم فارس".
وتابعت: 50 مرة أحضرته من مواقع المواجهات، وفي بعض الأحيان يبقى في المواجهات حتى العاشرة مساء، في أجواء ماطرة وباردة، ويعود منها الأخير.
وقالت عودة: "كان فارس يحب الاحتفال في عيد ميلاده، الذي يصادف الثالث من كانون الأولى/ ديسمبر، لكنه رحل قبله بأسابيع، حتى قبل أن يتم عامه الخامس عشر، أخذته قبل استشهاده بأربعة أيام، لالتقاط صورة شخصية لإدخاله في تأميني الصحي، وكان يقوم بحركات بهلوانية لتخريب الصورة، وبعد جهد التقطت له الصورة".
وأشارت إلى أن ابن خالته "شادي" استشهد قبله بأيام على معبر المنطار في المواجهات، انتهينا من عزاء شادي وفتحنا عزاء فارس، اخذ إكليلاً عن قبر شادي وخبأه تحت بيت الدرج، وطلب من المصورين الذين التقطوا له صوراً في أيامه الأخيرة من المواجهات أن يطبعوا له صورة، فأوصل أحد المصورين صورة لفارس وهو يرشق الحجارة على الدبابات إلى منزلنا، أخذتها بقلق وخبأتها خشية أن يراها والده، وحين سألته عن قصة الإكليل والصورة، قال: "حضرتهم ليوم استشهادي".
وتتابع عودة: "كان فارس من الملتزمين بالصلاة خاصة صلاة الفجر في المسجد، وفي يوم استشهاده، نزل عن الدرج وعاد ثلاث مرات، ورأيت في عينيه تلويحة الوداع، خاصة بعد أن اكتشفت إكليل الورد وصورة المواجهات التي وصلتنا، وفي صبيحة يوم 8/11 عند التاسعة والنصف اتصل بي مدير مدرسته وأخبرني أن فارس لم يحضر للمدرسة، وفي تلك الساعة كان فارس أصيب برصاصة من العيار الثقيل اخترقت رقبته، واستمر ينزف ساعة كاملة، وخبرني أحد أصدقائه الثلاثة الذين حملوه أن آخر كلماته كانت: أمي، وين أمي".
فارس هو الابن السادس في أسرة مكونة من تسعة أبناء (7 أولاد اثنان منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبنتان)، قُصف منزلهم في العدوان الإسرائيلي على القطاع في عام 2014، وأصيب شقيقه برصاص الاحتلال بعد ثلاثة أشهر من استشهاده، وكتبت في فارس عشرات القصائد وكان اسمه يلمع بين سطور عدد من الروايات المقاومة، كما غنت له الفنانة الملتزمة ميس شلش والفنانة ريم تلحمي.
فارس الذي أعادته والدته إنعام عشرات المرات من مواقع المواجهات، وكانت العائلة بأكملها تتربص له، لمنعه من الذهاب لإلقاء الحجارة، وقف بوجه رتل من الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية على معبر "المنطار" ليعيق تقدمها تجاه غزة ولو خطوة واحدة.
لم يُثنه المنع والضرب أحياناً من الذهاب إلى المواجهات، وفي يوم استشهاده أغلق عليه البيت، فخرج من النافذة، ونزل عبر أنبوب، ليمنحنا دون مقابل صورة جبارة 'طفل يواجه عشرات المجنزرات الإسرائيلية بحجر'، قبل أن يطلقوا عليه النار ويعدموه، الفتى الذي أصاب ياسر عرفات بـ'الهوس' في آخر مراحل حياته، فظل يُردد اسمه: الشهيد 'فارس عودة'، وارتبط اسمه لديه بمقولته الشهيرة: شعب الجبارين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها