تفجير النفق، الذي حفره "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة في المنطقة الإسرائيلية، أول من أمس، يرفع التوتر بين الطرفين الى ذروة لم تكن منذ انتهاء عملية "الجرف الصامد" في العام 2014. حقيقية قتل ثمانية نشطاء فلسطينيين، على الأقل، منهم قادة كبار في تنظيم «متطرف» وأحد نشطاء "حماس"، في العملية من شأنها أن تحث "الجهاد الإسلامي" على القيام بعملية انتقامية.
في ساعات المساء أثناء الليل تم بذل جهود كبيرة بوساطة مصرية لتهدئة النفوس. ولكن الجيش الإسرائيلي يستعد لإمكانية إطلاق قذائف، على الأقل على مستوطنات غلاف غزة، إن لم يكن على شماله. الساعات الأكثر حسماً ستكون ساعات صباح اليوم (أمس) في جنوب البلاد، وقت الخروج إلى المدارس والعمل. وحسب التقارير التي وردت من غزة فإن اثنين من القتلى هما قائد المنطقة الوسطى لـ "الجهاد" ونائبه. عدد من القتلى أصيبوا أثناء نزولهم إلى النفق لإنقاذ المصابين بعد الهجوم الإسرائيلي، ويبدو أنهم اختنقوا من الدخان والغبار أو حتى نتيجة انبعاث غاز سام بعد الهجوم. في الجيش الإسرائيلي نفوا محاولة اغتيال متعمدة للقادة، وقالوا إنه لم يتم ضخ أي مادة سامة في النفق بعد التفجير.
على كل الأحوال، رغم أن الإصابة الكبيرة كانت صدفة وليست نتيجة عملية استخبارية تم الحصول عليها مسبقاً، يبدو أن العملية الإسرائيلية نجحت أكثر قليلا من المتوقع. عدد القتلى الكبير سيجعل الفلسطينيين يقومون بالرد، بصورة يمكنها أن تجر الطرفين إلى التصعيد، أو أن تؤثر على المصالحة الفلسطينية الداخلية.
تم اكتشاف النفق، مؤخراً، على بعد قليل من جدار الحدود داخل المناطق الإسرائيلية، على بعد كيلومترين من كيبوتس كيسوفيم. وقال وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان، إن النفق تم اكتشافه بفضل "اختراع تكنولوجي مهم". لم يذكر الجيش الإسرائيلي أي تفاصيل عن الطريقة التي تم تفجير النفق بها، لكن مصادر فلسطينية قالت إنه تم تفجيره عبر سلاح الجو.
وأضاف ليبرمان أن إسرائيل غير معنية بالتصعيد. وحسب أقواله، على الرغم من المصالحة بين السلطة الفلسطينية و"حماس"، فإن "القطاع بقي مملكة للإرهاب". وقال المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، العميد رونين منليس، للمراسلين إن وجهة إسرائيل ليست نحو التصعيد، وإنه لا توجد للجيش أي نية لتصعيد العمليات في حدود القطاع.
وأضاف منليس أن النفق تم تدميره في الوقت الحاضر لاعتبارات عملياتية. وحسب أقواله فان النفق لم يشكل أي تهديد فوري على أمن الإسرائيليين، قرب الجدار، لكن حفره كان "خرقا فاضحا لسيادة إسرائيل".
قرار تفجير النفق تم اتخاذه بعد مشاورات أجريت، مؤخراً، في المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل. وقد اعتُبر توقيت العملية حساسا لسببين: اتفاق المصالحة بين "حماس" و"فتح"، الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية، واستمرار بناء العائق الإسرائيلي ضد الأنفاق على طول حدود القطاع، الذي يجري العمل فيه على بعد ما شمال المكان الذي وجد فيه النفق.
على الرغم من أن حكومة إسرائيل تحفظت عمليا على التقارب بين "فتح" و"حماس"، إلا أنها لم ترغب في الظهور كمن تخرب بصورة جدية الاتفاق، بسبب علاقتها الوثيقة مع مصر. إن تدهوراً أمنياً بين إسرائيل و»حماس» يمكنه أن يؤدي أيضاً إلى انهيار التفاهمات الفلسطينية الداخلية. وغداً (اليوم) كان المصريون سيعيدون فتح معبر رفح أمام الحركة، في إطار الاتفاق، للمرة الأولى بحضور رجال حرس الرئاسة التابع لمحمود عباس.
"حماس" بحاجة ماسة إلى هذا الإنجاز، ولكن من أجل الوصول إليه يجب على «حماس» كبح "الجهاد الإسلامي" ومنعه من العمل. التصعيد مع إسرائيل الآن سيظهر عيوب اتفاق المصالحة، الذي امتنع عن علاج نزع «سلاح المقاومة»، وأنفاق "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والصواريخ التي تقومان بإطلاقها. "الجهاد الإسلامي"، خلافا لـ "حماس"، لم يوقع على الاتفاق، حيث يدور الحديث عن تنظيم لديه 12 ألف مقاتل وآلاف القذائف.
في الوقت ذاته إسرائيل بحاجة إلى فترة زمنية، سنة تقريباً، من اجل إكمال بناء العائق، الذي يتوقع أن يمنع حفر أنفاق أخرى مستقبلاً، ويمكن من تحديد مواقع الأنفاق القائمة والأنفاق قيد الحفر من خلال مجسات. ورغم ذلك، تم اتخاذ قرار العملية، أول من أمس. مصادر أمنية قالت للصحيفة إن الاعتبارات كانت "موضوعية تماما". تمهيداً لتفجير النفق في حدود القطاع تم نشر بطاريات القبة الحديدية في الجنوب، واتخذ الجيش الإسرائيلي خطوات حماية أخرى. في جهاز الأمن قالوا، أول من أمس، إن إسرائيل مستعدة لكل الاحتمالات، وما زال الوقت مبكراً للتقدير بصورة مؤكدة كيفية رد "الجهاد الإسلامي" و"حماس" على العملية الإسرائيلية.
موقف إسرائيل الصارم يتساوق مع التوتر في جبهة أخرى وهي الحدود الشمالية، في الأساس حول تواجد إيران في جنوب سورية. رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع ليبرمان هددا، مؤخراً، بشكل علني في عدة مناسبات أن إسرائيل لن تسمح لإيران بتوسيع سيطرتها العسكرية في سورية، وبيقين تقريب مليشيات شيعية برعايتها أو مقاتلي "حزب الله" إلى منطقة الحدود بين سورية وإسرائيل في هضبة الجولان.
سير الأمور في غزة، أول من أمس، يشبه بشكل كبير الطريقة التي جُرّ فيها الطرفان إلى الحرب في "الجرف الصامد". وفيما بعد أصبحت الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي تعتقد أن المواجهة في حينه جاءت نتيجة سوء الفهم، وحسابات خاطئة للطرفين، اللذين لم ينويا الانجرار إلى مواجهة واسعة. إن استمرار التدهور في الوقت الحالي يمكن أن يؤدي إلى تكرار سيناريو 2014.
يوجد لإسرائيل، كما كان الأمر في حينه، ما يكفي من الأسباب التكتيكية من اجل العمل كما عملت. وما ينقصها بشأن غزة هو الإستراتيجية. إن تأجيل المصادقة لسنوات على مشاريع تساعد في تخفيف المشكلات الاجتماعية الكبيرة في القطاع ساعد أيضاً في احتمالية حدوث انفجار آخر في نهاية المطاف.
بقلم: عاموس هرئيل
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها