كان إستقبال الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة للحكومة والوفد الأمني المصري يعكس تعطش تلك الجماهير للوحدة الوطنية، وطي صفحة كارثية لا علاقة لها بنسيج شعبنا، ولا بتاريخه الكفاحي، وفتح الأفق لإعادة اللحمة للشعب الواحد، الذي أبتلى على مدار ما يزيد على العشرة أعوام بالإنقلاب على الشرعية الوطنية. مشاعر مختلطة من الفرح والأمل دفعت تلك الجموع لإحتضان حكومتها وقيادتها الأمنية الشرعية مما فاجأ القاصي والداني، العدو والصديق على حد سواء، حيث أكد المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة تمسكهم بالشرعية الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير وخيارها السياسي. ولم تتوقف تلك الجموع الشعبية عند التفاصيل والإجراءات التي إتخذت خلال الفترة الوجيزة الماضية، وكان خيارها واضحا وجليا التمسك بالوحدة الوطنية، ووضعها فوق كل الإعتبارات والعقبات، وهو ما يؤكد ان غزة العظيمة كما كانت دوما حامية الهوية الوطنية، مازالت على العهد وفية لدورها ومكانتها كرافعة للمشروع الوطني التحرري.
وكما كان ابناء الشعب العربي الفلسطيني في محافظات الجنوب دوما في الخندق الأمامي للدفاع عن الشخصية الوطنية، وحَّملة رايتها، أعلنوا أمس الأثنين الموافق الثاني من إكتوبر الحالي بما لا يدع مجالا للشك، أنهم الأمناء على المنطلقات الوطنية الجامعة للشعب كل الشعب. وهم من سيكون الدرع الحامي لتلك المنطلقات والثوابت الوطنية.
 خطوة عملية جديدة على طريق المصالحة، تمثلت بعودة حكومة التوافق الوطني إلى محافظات الجنوب لتتسلم مهامها من جديد، ولتضع النقاط على حروف المصالحة والوحدة الوطنية بعدما أعلنت حركة حماس عن حل لجنتها الإدارية، ووافقت على تسلم الحكومة لمهامها الإدارية واللوجستية تنفيذا لورقة المصالحة المصرية، التي تم التوافق عليها مايو 2011.
 ولتقطع حكومة الرئيس ابو مازن الشرعية الطريق على كل القوى المتربصة بالوحدة، ذهبت للقطاع  لتعمد مشوار المصالحة من خلال عقد إجتماعها الإسبوعي اليوم على ارض غزة الحبيبة، وتسلم الوزراء مقرات وزاراتهم بالإضافة لتسلم المعابر، ووضع مداميك لتجسير العلاقة بين مؤسسات السلطة في جناحي الوطن،وتوثيق أواصر العروة الوثقى بين ابناء الشعب الواحد الموحد.
مما لاشك فيه ستبرز الكثير من العقبات أمام الحكومة ووزارئها في الفترة القادمة من عملهم. لكن على جميع المسؤولين العمل بروح التفاؤل، والمضي قدما لترسيخ قواعد الوحدة، لاسيما وان المناخ العام بات ملائما للبناء على ركائز ما أعلن من قبل قيادة حركة حماس، وبمساندة الراعي المصري، الذي وضع كل ثقله السياسي والأمني والمعنوي لتكريس دور الشرعية الفلسطينية في محافظات الوطن كلها وخاصة المحافظات الجنوبية. وهنا سيكون للجماهير الشعبية ونخبها وقواها السياسية ومنظمات المجتمع المدني وكل القطاعات الإقتصادية والثقافية والأكاديمية والإجتماعية دورا مهما في تأمين الحاضنة الوطنية الدافئة لنجاح الحكومة في تولي مهامها كما يجب والحؤول دون المنغصات من أن تفت في عضد عملها. بمعنى أدق لا يقتصر دور الجماهير الفلسطينية عند حدود الإستقبال الرائع للحكومة عند معبر بيت حانون، بل يفترض ان يتواصل دورها في ضمان مسيرة الوحدة، لإنها مصلحة إستراتيجية للشعب العربي الفلسطيني.
ما حصل أمس شكل مفتاح الأمل المتجدد في اوساط الشعب الفلسطيني عموما وفي القطاع خصوصا. لكن على الجميع ان يدركوا جيدا، ان الحكومة والقيادة الشرعية برئاسة الرئيس محمود عباس ستحتاج إلى وقت من الزمن لمعالجة الآثار الخطيرة التي نجمت عن الأعوام الماضية من الإنقلاب. ولن تكون الأمور سهلة، كما يعتقد البعض، وهو ما يتطلب من المواطنين وكل القوى التعامل بمسؤولية عالية مع واقع الحال القائم، وتشكيل مظلة واقية للإيجابيات الصغيرة التي بدأت وصولا لما يطمح الشعب وقيادته الشرعية. وبالتالي لا يجوز الإنكفاء او الإحباط في حال برزت العقبات والعراقيل من هنا او هناك، وهي ستبرز بالضرورة، لإن هناك متضررين من الوحدة الوطنية. لكن ليبقى التفاؤل سيد الموقف دون مبالغة، لاسيما وان ترميم البيت الفلسطيني يحتاج إلى سنوات قليلة قادمة لعودة الأمور لطبيعتها.