الإستعمار عموما والقديم خصوصا، القائم على إحتلال أرض شعب من قبل شعب آخر بالقوة العسكرية، وفرض سياساته وقوانينه وثقافته ومعاييره الأخلاقية، وبغض النظر عن الزمن الإفتراضي لهذا الإحتلال، وطبيعة الإستعمار إن كان مؤقتا أو دائما. كما في جنوب أفريقيا أو سابقا في الجزائر وناميبيا أو في فلسطين حاليا، ورغم التباين في مضامين كل شكل، هو إستعمار يقوم على مبدأ الإستقواء والإستعلاء وهيمنة شعب على آخر لتحقيق جملة من الأهداف السياسية والإقتصادية والثقافية. ومطلق إستعمار يحمل في ممارساته الطابع العنصري التمييزي لصالح العرق او القومية القائمة بالإحتلال. ولا يمكن الفصل التعسفي بين الإستعمار والعنصرية. لإن إستضعاف شعب ما وإحتلال أرضه وفرض قوانين وسياسات شعب آخر بقوة السلاح والبطش بابنائه، وإستغلال الإنسان من قبل إنسان آخر ينتمي لقومية آخرى، هو عمل عنصري وتمييز عرقي، ومرفوض ومدان من قبل المواثيق والأعراف والقوانين الدولية ويتناقض مع مبادىء حقوق الإنسان. وكما تقول المقولة النظرية الماركسية: شعبُ يحتل شعبأ آخر، لا يمكن أن يكون حراً.
بالتأكيد التمييز العرقي ليس بالضرورة أن ينجم عن الإحتلال المباشر، بل يمكن ان يكون هذا التمييز العرقي او القومي او الديني او الجنسي او على اساس اللون داخل وفي أوساط شعب واحد، وفي وطن واحد. كما في أميركا أو غيرها من شعوب الأرض المختلفة. لكن في كل الأحوال الإستعمار، أي كان شكله او طبيعته، هو منتج فاعل ومباشر لعملية التمييز والعنصرية.
وإذا توقفنا أمام تعريف العنصرية (التمييز العرقي)، فإنها تعني حسب تعريف الموسوعة الحرة "ويكيبيديا"، هي الإعتقاد بأن هناك فروقا وعناصر موروثة بطبائع الناس أو قدراتهم عزوها لإنتمائهم لجماعة أو لعرق ما – بغض النظر عن كيفية تعريف مفهوم العرق – وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذة الجماعة بشكل مختلف إجتماعيا وقانونيا. كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف، ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية، وباللجوء إلى تلفيقات علمية. وهي كل شعور بالتفوق أو سلوك او سياسة تقوم على الإقصاء والتهميش والتمييز بين البشر على أساس اللون أو الإنتماء القومي أو العرقي. وبالتالي لجوء البعض للفصل بين الإستعمار والتمييز العنصري، وإعتبارهما متناقضين أو يمثلان شيئين مختلفين إنما هو إعفاء الإستعمار من سمة أساسية من سماته، وهذا خطأ فادح.
نعم هناك فرق في شكل وكيفية ومكان تطبيق العنصرية، من حيث أنه يمكن ممارستها بين ظهرانية شعب بعينه دون الحاجة إلى الإستعمار، ولكن من خلال التمييز في القوانين ضد فئة او شريحة او مجموعة بشرية ذات أصول عرقية او دينية أو على أساس الجنس او اللون، وإعلاء شأن مجموعة بشرية من ذات الشعب عليها. كما جاء في تعريف الموسوعة الحرة.
ولو أخذنا الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية نموذجا للمقاربة، فإننا نلمس بكل حواسنا، أن هذا الإستعمار الإجلائي والإحلالي، إنما هو إستعمار منتج لإرهاب الدولة الإسرائيلية، وبذات القدر ينتج العنصرية والتمييز القومي ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني في كل مناحي الحياة، وليس القانونية فقط. بتعبير آخر هناك تداخل عميق بين الإستعمار الإسرائيلي والعنصرية. طبعا في النضال الوطني التحرري تحتل عملية الإستقلال السياسي والإنعتاق من الإستعمار الإسرائيلي الأولوية على ما عداها من إفرازته وإنتهاكاته. لكن النضال ضد كل مظاهر وسياسات وقوانين وجرائم الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي لا تتناقض او تتصادم مع الهدف المركزي، وهو إزالة الإحتلال وتحقيق الإستقلال السياسي والإقتصادي، وبناء الدولة المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين وفقا للقرار الأممي 194.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها