شهد الأسبوع الماضي تفجيرا انتحاريا تكفيريا بمجموعة من مليشيات حركة حماس، المرابطة على الحدود الفاصلة بين جنوب فلسطين ومصر الشقيقة، نجم عنه سقوط ضحيتين: المفجر نفسه وآخر من حركة حماس، وإصابة خمسة أشخاص. على إثر ذلك فرضت أجهزة أمن الحركة الانقلابية طوقا أمنيا على محافظتي رفح وخان يونس، وأجرت عمليات تفتيش واسعة، تضمنت اعتقال عدد من انصار الجماعات التكفيرية الرافضة لسياسات حماس.
بعض المراقبين، وحتى الأهالي في المحافظتين، قالوا، إن ما نشهده غير مألوف، وهو أمر "جديد". غير ان الجديد يكمن في حالة النسيان، التي اصابت اصحاب هذا الرأي. ومن يعود بالذاكرة للخلف، ويستحضر تدمير مسجد ابن تيمية في رفح، ومقتل 28 شخصا من جماعة الشيخ عبد اللطيف موسى، وهو على رأسهم في الخامس عشر من آب/أغسطس 2009، ولغيرها من جرائم القتل والانتهاكات ضد ابناء الشعب الفلسطيني ونخبه السياسية وفصائله وخاصة حركة فتح في محافظات الجنوب، يستطيع التأكد من ان حماس، لا تتوانى عن ارتكاب أي جريمة ضد من يختلف معها، بغض النظر عن انتمائه.
صحيح ان الفرق في الشكل بين سلسلة الانتهاكات، التي نفذتها مليشيات حركة حماس ضد الشعب وقواه المختلفة، وبين ما قام به التكفيري. حيث جاء الهجوم منه لا من قبل عناصر حركة حماس. لكن هذا لا يغير من جوهر المسألة. لأن حركة الانقلاب الحمساوية، هي أولا من اوجد التربة الخصبة لنشوء وتفشي وانتشار القوى التكفيرية في قطاع غزة، ومنحها الحماية والحظوة طيلة العقد الماضي؛ ثانيا جزء اساسي من عناصر تلك المجموعات من منتسبي كتائب القسام، الذين انفضوا عن خيار حماس السياسي، بعدما اكتشفوا فساد وبؤس وصراعات قيادة الانقلاب فيما بينهم على المغانم والملذات، فضلا عن قناعاتهم بعدم وجود اي مشروع "للمقاومة"؛ ثالثا علاقات حماس السابقة والحالية بتفاوت مع قيادة أفرع جماعة الإخوان المسلمين ومتفرعاتها من الفرق الجهادية التكفيرية في العديد من الدول العربية وخاصة في محافظة شمال سيناء، هو الذي عمق الصلة بين عناصر القسام وغيرهم مع تلك الجماعات؛ رابعا علاج وحماية حركة حماس لعناصر القوى التكفيرية من مصر في مستشفيات القطاع، ساهم بخلق الصلة بينهم وبين عناصر القسام والجماعات التكفيرية الأخرى، واتاح لهم جسور التواصل؛ خامسا رفض حركة حماس لخيار المصالحة، وتخندقها في خنادق الإمارة ساهم، وسيساهم في اتساع دور التكفيريين في القطاع. وبالتالي شكل عملية القتل والتفجير لم يغير من جوهر الدور التخريبي لحركة حماس.
ولعل الدعوة الأخيرة من قبل كتائب القسام بإحداث "فراغ سياسي وأمني"، تؤكد ما يذهب إليه المرء. لأن ذلك يفتح الباب على مصراعيه لزيادة انتشار مظاهر الفوضى والفلتان الأمني في محافظات القطاع. ومظاهر حظر التجول، وزيادة التفتيش والاعتقال لبعض عناصر التكفيريين ليست سوى استعراض للقوة، ولإرسال رسالة للأشقاء في مصر، بأن حماس "ملتزمة" بحماية الأمن الوطني المصري. مع ان قادة جهاز المخابرات في مصر يعلمون ان قيادة الانقلاب تناور لتحقيق مآربها في بناء الإمارة، لاسيما وان لدى الأجهزة الأمنية في المحروسة من الوثائق والمعطيات والاعترافات ما يدعوها لرفض تصديق حركة حماس، ولكنها تجاريها، اعتقادا منها، انها تستطيع عبر سياسة الخطوة خطوة من انتزاع اكبر قدر من المعلومات الأمنية، وتقليم أظافر رؤوس الفتنة في سيناء، ودرء بعض الهجمات على القوات المسلحة المصرية. وفي ذات الوقت، ارادت حماس إرسال رسالة للقوى الوطنية عموما ولأبناء حركة فتح خصوصا، إياكم واللعب بالنار. لأن جوهر الفراغ يتمثل في تصفية أكبر عدد من حركة فتح وانصارها بذريعة الفلتان الأمني وفوضى السلاح.
النتيجة مما حدث على الحدود الفلسطينية المصرية وفي محافظتي رفح وخان يونس، المسؤول الأول عنه، هو حركة حماس وكتائب القسام. وهو مقدمة لتغول مليشيات حماس ضد المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، وقطع الطريق على اي معارضة في محافظات الجنوب، ووأد المصالحة الوطنية، والرهان على الحل الإقليمي، والتمسك بخيار الإمارة في غزة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها