إعداد: خالد غنام أبو عدنان
بين النكتة الغبية والحقد الأعمى يمكن أن يصنف كتاب آسف فول المعنون ب 3000 من تاريخ الشعب الفلسطيني من العصر القديم إلى العصر الحديث A History of The Palestinian People from Ancient Time to the Modern Era By Assaf A. Voll ، والذي صدر في بداية شهر حزيران من هذا العام، بصيغة كتاب إلكتروني بثمن لا يتجاوز ثمانية دولارات. هذا الكتاب أثار جدلاً واسعاً في الدول الغربية وإسرائيل حول مفاهيم تجاوزت حدود الكتاب.
بدأت القصة في موقع الأمازون أكبر متجر إلكتروني لبيع الكتب، فقد صعد تصنيف الكتاب لمراتب متقدمة في لائحة الكتب الأكثر مبيعاً، ثم بدأت مرحلة الشكاوي أن المحتوى فارغ ولا يحوي إلا صفحات بيضاء، وكان يتوقع المطالعون أن هناك خطأ تقني وراء ذلك، وبدأ ماراثون البحث عن مادة الكتاب، إلا أن آسف فول قال للجميع: نعم هو فارغ تماما ولا يوجد سطر واحد ممكن أن أكتبه عن الفلسطينيين إنهم غير مذكورين لا بالتاريخ القديم ولا الحديث وهذه هي نتنائج بحثي. وأنا باحث أكاديمي في جامعة حيفا ومهنيتي عالية لذا لا أنوي أن أخدع أحداً.
إلا أن هذا التبرير لم يعجب الكثير من عملاء موقع الأمازون وطالبوا بإعادة أموالهم، ثم قرر الموقع إزالة الكتاب من الموقع وبدأت الضجة الإعلامية تتضخم وتأخذ أبعادا قانونية وأكاديمية وأثارت جدالاً واسعاً حول دراسة تاريخ فلسطين ومساقات أخرى لها ارتباط مباشر بمفهوم الدولة اليهودية. خصوصا بعد تصريح آسف فول الاستفزازي: لماذا أنتم مستاؤون جدا؟ لأن الكتاب الغائب، هو في الواقع كتاب فارغ، 120 صفحة فارغة من أي حرف، نعم هذا هو تاريخ الفلسطينيين. إلا أن موقع الأمازون اعتبر آسف فول خدع عملاء الموقع وهذا مخالف للقانون، ثم جاء تبرير آسف فول: بأن هناك ضغطاً من القوى المناهضة لإسرائيل وراء إزالة الكتاب من الموقع، وذكر اسم موقع مرحبا بكم في فلسطين الإلكتروني، الذي وضع مقال بعنوان: " الأمازون تزيل الكتاب العنصري بعد الغضب الدولي". ثم شن موقع مرحبا بكم في فلسطين حملة إعلامية كبيرة ضد آسف فول واستفزازه للفلسطينيين واستخفافه بعقول الغربيين فلا يوجد فرق بين النسخة العبرية والإنجليزية وحتى لو قال أنه ترجمه لأربعين لغة يبقى مجرد ملف فارغ لا يحوي على كلمة واحدة. كما أكدت مواقع غربية مناصرة للشعب الفلسطيني بأنه تم إرسال عدد لا يحصى من الشكاوى إلى موقع الأمازون وهذا السبب الحقيقي وراء إزالة الكتاب من الموقع.
لكن آسف فول لم يتقبل هذه النتيجة وبدأ بحملة شرسة بدأها على موقع الأمازون نفسه وقال ليونايتيد برست : كتابي عبارة عن 120 صفحة فارغة وهذه هي وجهة نظري وأنا أملك الحرية الكاملة بالتعبير عنها. ثم أن هناك ملفات عديدة في موقع الأمازون خالية من المحتوى ولم يتم إزالتها ولعل أهمها كتاب أخذ شهرة واسعة أثناء الانتخابات الأميركية الأخيرة بعنوان: الدليل الشامل أسباب التصويت للديموقراطيين. ولكن كوني إسرائيلياً قامت هذه الحملة العنصرية ضدي وضد بلادي، وتلقيت رسائل على بريدي الإلكتروني وتويتر مع الشتائم والاتهامات والتهديدات.
وقد أوضح عساف فول، محطة الإذاعة الدينية كول هاي: الشعب الفلسطيني يعتقد أنه شعب، ويحتاج شخص ما إلى إخبارهم بالحقيقة حتى لو كان ذلك ضارا. كما قال آسف فول لموقع هاموديا : لقد أرسلت نسخة من الكتاب كهدية لشخصيات عديدة في المجتمع الإسرائيلي دون استثناء حتى أنني أرسلتها إلى عضو الكنيست العربي أحمد الطيبي ورئيس حزب ميرتس، إذا كان أي شخص يهتم لدفع ثمن نسخة من كتابي.
وقال آسف فول لموقع إسرائيل بريك نيوز: أنا طالب أكاديمي واختصاصي التاريخ وهذا الكتاب ليس المقصود به مزحة، لكنه نتائج بحثية معمقة، وقبل البدء في كتابة هذا الكتاب، لم أسمع أبدا عن التاريخ القديم للشعب الفلسطيني، قررت أن أكون رائدا في هذا المجال من البحث. أعلم أن الصفحات فارغة لذلك أي شخص لديه أي حقائق موثقة أن يضيفها لمجموع ما جمعت من حقائق. وحتى تفهموا وجهة نظري أنظروا للسلطة الفلسطينية بعد عشرين عاما وملايين الدولارات هي بالنهاية لا شيء، وحتى عندما قرروا إنشاء متحف لتراثهم الوطني، عندما فتحت في أيار / مايو الماضي في مدينة بيرزيت، كان المبنى فارغا. لقد اخترع العرب الصفر لأنه يناسبهم. وأضاف آسف فول: اليهود يبنون أشياء مذهلة من لا شيء، مثل التكنولوجيا العالية والطب، ولكن الفلسطينيين أخذوا هذا المفهوم أبعد من ذلك. لقد بنى الفلسطينيون تاريخا كاملا، أمة، من لا شيء. الفلسطينيون ليس لديهم تاريخ أو أي ركن من الأركان الضرورية لتكوين أمة، لذلك يبنون إمبراطوريتهم على الرمال، وفي النهاية ينهار عليهم ليعودوا كما كانوا بالحقيقة مجرد صفر.
وقال آسف فول لموقع جوش برست كوم: إن النفاق واضح من موقع الأمازون الذي أزال كتابي بسبب مجموعة صغيرة من الشكاوي ويحتفظ ببيع كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" رغم أننا أقمنا حملات مليونية تطالبه بحذف الكتب العنصرية المناهضة للشعب اليهودي، وبالنهاية هم من سيخسر مادياً فكتابي متوفر للقراء في أكثر من مائة موقع إلكتروني وهو للتحميل المجاني، فأنا أنشر الحقيقة ويدعمني في ذلك كل أصدقاء الشعب الإسرائيلي.
قد لا يكون غريباً عزوف الإعلام العربي عن متابعة هذا الحدث لأننا نعرف المنهج اليميني المتطرف للصهاينة، إلا أن ردود الفعل في إسرائيل والدول الغربية تجاوزت الأحزاب اليسارية الصغيرة والمهتمين بكتب التاريخ، لقد طرح قضايا جدلية عميقة بخصوص التوارة نفسها وأنها تذكر الفلسطينيين وشعوب أخرى كانت تعيش في الأرض المقدسة مع الإسرائيليين، وإن التوارة تتحدث عن تفوق الإسرائيليين على غيرهم من الشعوب، إذن كان هناك شعوب وإختار الرب يهوه شعبه من بينهم، وأن مملكة سليمان – عليه السلام- لم تكن غالبيتها من الإسرائيليين بل أنهم الفئة الحاكمة قليلة العدد، مما أثار جدليات عميقة بخصوص النص التوراتي وشكل التعدد الثقافي الذي فرضه الملك سليمان – عليه السلام – على كل الشعوب. وأكد لنا أكثر من باحث أكاديمي في جامعات مدينة سدني الاسترالية أن هناك قرارات أكاديمية مشددة بخصوص موضوع أبحاث جديدة في علم الفلسطينيات الصادرة من الجامعات الإسرائيلية، فهي بحاجة لمراجعة وفرز لإنها تخلط الحقيقة العلمية بالتوجه السياسي والجميع يعرف أن الحكومة الإسرائيلية الحالية معنية بالترويج لفكرها السياسي المعتمد على يهودية الدولة، ويؤسفنا أن الجامعات الإسرائيلية فقدت الكثير من أهليتها الأكاديمية نتيجة تزويرها للعديد من الحقائق التاريخية.
كما أن دراسة أبعاد الكتاب كشف للعديد من المواقع الإخبارية الدولية خاصة في الولايات المتحدة أن الجمهور الأميريكي لا يقبل فكرة أن الشعب الفلسطيني غير موجود لا بالتاريخ ولا بالحاضر، وإن هناك مدخلات ثقافية فلسطينية عديدة للمجتمع الإسرائيلي وإن الفرق بين يهود الولايات المتحدة ومن يسكن إسرائيل هو المدخلات الثقافية الفلسطينية. بل أن النتائج السياسية العكسية للكتاب كانت بازدياد المؤيدين للاعتراف بالدولة الفلسطينية وتوقف عن طمس تاريخهم ومحوهم من الحاضر لأنهم شركاء المستقبل للإسرائيليين.
ومن جانب آخر صعدت قضايا الاحتيال على الجمهور وبيعهم ما لا يساوي ثمن ما يدفعونه من مال، وأن هناك أكثر من مائة ملف يتم حذفها بعد الإعلان عنها بمواقع بيع الكتب في مدينة نيويورك وحدها، وطالب العديد من الزبائن بضرورة إطلاع بشر حقيقيين على محتوى الكتب قبل وضعها للبيع، لأن الوضع الحالي سخيف جدا، إن القرار بيد العقل الإلكتروني وهو غبي جدا بهذا الموضوع، ولماذا يتم إضافة الكتب قبل قراءتها ولا حتى التأكد من حقوق الملكية الفكرية. أما الناحية الأكاديمية الصرفة فتلخص عن دور الجهات المعادية في تزوير تاريخ الآخرين متهمين الجامعات الإسرائيلية بمحاولة تضليل البحث الأكاديمي في موضوع مهم جداً اسمه الفلسطينيات وتاريخ الأرض المقدسة وهي بالتأكيد دراسات بحثية أكاديمية لها امتداد بالتاريخ المسيحي وصراع الكنائس، وأن مجرد البحث عن معلومة لها سند تاريخي لا يمكن أن ينفي معلومة لها سند تاريخي آخر، إلا أن الجامعة العبرية تحديدأ وباقي الجامعات الإسرائيلية يعملون على تحديد مواقع البحث المرتبطة بتبيان الحق الإسرائيلي في الأرض المقدسة وهذا لا يحظى بإجماع كنائسي من الناحية الأكاديمية.
إلا موضوع الكتاب طرح قضية التمييز العنصري في الإعلام وكيف أن مجرد كتاب لشخص معتوه أخذ ضجة كبرى في كبريات الصحف والإذاعات بينما أن هناك أحداث أهم بكثير من مجرد الاستماع لوجهة نظر آسف فول في الإعلام الغربي، وبالتأكيد أن ما كتبه موقع يهودي من أجل السلام كان أكثر من حقيقي حينما كتب مستغربا: الكذبة نسمعها وغير مسموح الرد عليها حتى لا نوصف بأعداء إسرائيل، عموما ما تم جمعه من مقابلات صحافية وإذاعية لآسف فول خلال شهرين لو تم نشرها في كتاب سيكون عدد صفحاته 437 صفحة وهو يشرح لماذا كتب 120 صفحة فارغة هي نتيجة أبحاثه عن تاريخ فلسطين، إذن فهناك أكثر من صفحات فارغة في الكتاب هي باختصار دعاية صهيونية هدفها الترويج لفكرة الدولة اليهودية ودعم سياسية نيتنياهو.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها