إعداد الباحث الاكاديمي محمود الأسدي تموز 2017
اخترتُ عنواناً للبحث الحالي عنوان كتاب "جون ميرشيمر" أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، ويقال أن السياسي لا يكذب ولكنه "يقصد في قول الحقيقة"، وبما أن السياسية "فن الممكن" كما يصفها البعض، فهي عرضة للكذب كسلوك إنساني يمارسه العديد من قادة العالم على شعوبهم وعلى الدول الأخرى، طالما هدف القائد ترسيخ سياسات وتحقيق طموحات إقتصادية وفنية، تربوية وحضارية، وعقد تحالفات، ونهب مواد بعض البلاد واستخدام أيادي عاملة رخيصة.
يذكر العديد معاملة الاستعمار البريطاني السيئة للهنود وإذلالهم في القرن التاسع عشر. إن ما ترتكبه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، على سبيل المثال، كالتعدي على أماكن العبادة وإقامة الحواجز العسكرية داخل المدينة الواحدة، وبناء جدران الفصل العنصري بين البلدات الفلسطينية وداخل البلدة الواحدة، شواهد واضحة على ممارسات عنصرية قمعية مقيتة. وإن ممارسات السلطات العسكرية الصهيونية داخل مدينة الخليل شاهد آخر هدفها إضعاف الوضع الاقتصادي داخل البلدة، وتقسيم الحرم الإبراهيمي مكانياً وزمانياً بين اليهود والفلسطينيين.
شهدنا حديثاً إقتحام حرم المسجد الأقصى المبارك وعرقلة الوصول إليه ثم منع المصلين من إقامة الصلاة يوم الجمعة في 14/7/2017. إن هذا الاعتداء الحالي على المسجد الأقصى هو الثاني بعد تدنيسه عام 1969. ورغم تلك الممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية والإستفزازية، تتمتع إسرائيل بمظلة أمريكية في كافة المحافل الدولية. وقد استخدمت أمريكا حق النقض أكثر من 44 مرة لتغطية العنصرية الصهيونية وممارستها القمعية في الضفة الغربية وحصار قطاع غزة.
اختار الأستاذ حسن العطار سيناريوات أربعة يعتمدها بعض القادة في الكذب على شعوبهم لتحقيق سياسات محددة، طرحها في جريدة العرب، عدد 1318، الأربعاء 15/3/2017. مأخوذ من كتاب ميرشيمر- لماذا يكذب القادة؟.
أولاً- إثارة الرعب fear mongering فصل 4، صفحة 44
حين يشعر بعض قادة الدول أن خطراً محدقاً بهم يلجؤون إلى إثارة الرعب. لم يكن الهدف خداع رجل الشارع فقط، بل وأيضاً رجال الطبقة المتعلمة المستنيرة بمن فيهم الخبراء في الشؤون الخارجية. مثال على هذا النوع من الكذب ما حصل في العراق عام 2001. زعم بوش رئيس أمريكا وطوني بلير رئيس وزراء انكلترا، أن أمريكا تملك دليلاً قاطعاً أن صدام حسين يمتلك أسلحة الدمار الشامل. في حين أن ذلك لم يكن صحيحاً. وقد أكد ذلك رامز فيلد وزير الدفاع الأمريكي، والجنرال تومي فرانكس حين قدما تقريرهما لجورج بوش الإبن في السادس من أيلول 2002 م.
ثانياً- التغطيات الاستراتيجية strategic cover- up فصل 5 ص 63
القادة يكذبون حين تفشل سياسة ما فشلاً ذريعاً. دافعهم الأساسي حماية مصلحة البلاد كما يزعمون. يكذبُ القادةُ لإخفاء استراتيجية جديدة مثيرة للجدل، خوفاً من أن تواجه برفض جماهيري يمنعُ تَبَنِّيها.
مثال على ذلك، جهود الرئيس الأمريكي جون كنيدي المضنية لسحب "الصواريخ الروسية من كوبا". لقد وافق كنيدي على طلب الإتحاد السوفياتي بالمقابل أن تسحب أمريكا منظومة صواريخها النووية "جوبتر" من تركيا، مقابل سحب السوفيات صواريخهم من كوبا، "Tit For Tat" كما يقول المثل.
كنيدي يدرك أن الأمريكان يرفضون هذا التنازل، ويمكن أن يؤثر على حلفاء أمريكا في حلف الناتو، وبالأخص تركيا.
ثالثاً- الأساطير القومية National Myths فصل 6 ص 71
نهجت أقليات ومجموعات عرقية وإثنية إلى تأسيس "الدولة القومية" مثلما فعلتْ ألمانيا وإيطاليا وغيرهما في الماضي. لذا حاولت كل مجموعة إثنية أو عرقية إلى خلق أساطير خاصة بها- أساطير مقدسة- عن ماضيها وتراثها تبعثُ العزة والكرامة في أبنائها وتثير حميتهم وتصور خصومها بصور سلبية. لأن هذه الأساطير تعززُ التضامن الجماعي وتنمي الشعور القومي الوطني في أبنائها.
وأفضل مثال لهذه الظاهرة هو علاقة إسرائيل واللوبي اليهودي AIPAC في أمريكا وافرازات أخرى إلى جانبها كالمسيحيين المتصهينين الذين يسعون لتأسيس "دولة يهودية" في فلسطين ومدّها بكافة مقومات الحياة مثل الهبات والعطاءات المالية، والأسلحة المتطورة والدفاع عن ممارستها القمعية، والتنظيف العرقي للفلسطينيين والتهجير القهري واستلاب ممتلكاتهم.
أشار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في كتابه Palestine Peace Note Apartheid إلى سياسة القمع والتهجير القسري الذي تنتهجه إسرائيل ضد الفلسطينيين من خلال استملاك الأراضي بالقوة تحت ذريعة الأمن الصهيوني، ورفض التواجد الفلسطيني تحت ذرائع متعددة، وتعرّض العديد من المسلمين والمسيحيين إلى إجلائهم من بيوتهم ومزارعهم بالقوةِ، وتهجيرهم قسراً، وإخضاعهم لقانون الحكم العسكري لقضم المزيد من ممتلكاتهم.
هذا التهجير القسري خلقَ خوفاً وكراهة وتغريباً وتنافراً بين الطرفين، وكان سبباً في عدم التوصل إلى حل الدولتين!!. يتطلعُ الصهاينة إلى امتلاك كل فلسطين ومعها مزارع شبعا في لبنان وهضبة الجولان السورية. ويرفضون إعطاء الفلسطينيين حقوقاً مدنية وإنسانية، تربوية وصحية، وحرية التنقل والسكن، والإقامة في المناطق التي يختارونها (فلسطين أرض سلام، تأبى أن تكون عنصرية، صفحة 110).
هذا الإتجاه الصهيوني اللا إنساني واللا أخلاقي هو مثال صارخ عن حقيقة التميز العنصري الذي يرزح تحته الفلسطينيون في فلسطين 1948، وفي الضفة الغربية المحتلة عام 1967، والحصار العنصري لقطاع غزة.
رابعاً-الأكاذيب الليبرالية Liberal lies فصل 7 صفحة 77
شكلت الأعراف، عبر التاريخ، منظومة تحددُ السلوك المقبول، سواء في الحرب أو السلم. هذه الأعراف كونت جزءاً أساسياً من القانون الدولي، ومع ذلك يتعمدُ بعض القادة خرق هذه الأعراف والقوانين حين يشعرون أن مصلحة بلدانهم تتطلبُ ذلك. ويكون الحشد والتعبئة وشن الحرب الإستباقية من أجل تحقيق مكاسب استراتيجية وفوائد إقتصادية أمثلة على "الأكاذيب الليبرالية" ما ارتكبته أمريكا مع اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث ارتكبتْ مجزرة وقتلت /900/ ألف مواطن ياباني، كما قامت واعتقلت الأمريكان من أصل ياباني داخل أمريكا وحجزتهم في معسكرات تحت مراقبة ومتابعة حراسة أمريكية مشددة.
ومثال آخر على ما ارتكبته بريطانيا في احتلال جزر الفوكلاند وقتل العديد من سكانها، مع أنها تبعد آلاف الأميال عن بريطانيا لتبقى الجزر تحت سيطرتها.ولا ننسى أيضاً أن أمريكا فرضتْ عقوبات إقتصادية مجحفة بحق العراقيين من آب 1990 حتى أيار 2003م مما أدى إلى كارثة إنسانية، راح ضحيتها ما يقرب نصف من مليون عراقي حسب تقديرات اليونيسيف.
كنا نتمنى لو تطرق ميرشيمر إلى أكاذيب حكام العالم الثالث. يكفي ما نشهده اليوم بداية مع ربيع 2011 حتى اللحظة، من قتل وتهجير قسري واستخدام أسلحة كيماوية وغارات حربية أدت إلى قتل وسحق آلاف المدنيين تحت ركام الأبنية المدمرة في بلدان واقعة بين "المحيط الهادر والخليج الثائر"!!.
استلمت هيئة "الأمم المتحدة تقريراً يطرح سؤالاً مباشراً: هل إسرائيل دولة عنصرية؟! ويجيب التقرير بالإيجاب! وقدم تعريفاً للعنصرية:"فإذا كان التمييز العنصري يشير إلى ارتكاب أعمال لا إنسانية، ويمارس ظلماً مبرمجاً، يهدف إلى إخضاع فريق، والسيطرة عليه وابتزازه، فإن إسرائيل عنصرية مجرمة (روث إجلاس، واشنطن بوست. كوم 16/3/2017.
هذا ويشجب المتحاورون في منبر هيئة الأمم ممارسات إسرائيل القمعية والوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين، وانتزاع أراضيهم وممتلكاتهم، وتوسيع مساحات مستوطناتهم، وقمعهم ومنعهم الفلسطينيين من ترميم منازلهم أو إلحاقهم ببعض الغرف نظراً لزيادة أفراد العائلة.
فإذا كان التمييز العنصري مصطلحاً ارتبط بجنوب أفريقيا "نظام حكم الأبيض للجنس الأسود"، فإنه الآن كبر واتسع وامتدَّ ليمثل مصطلحاً أكثر شمولية، ليضم جرائم ضد الإنسانية، طبقاً للنظام العالمي وقانون روما الذي نص على تأسيس محكمة الجرائم الدولية.
الشعب الفلسطيني الآن موزع وخاضع لتسميات ومجموعات منفصلة ومتباعدة، من حيث الإقامة والتواجد، وأنهم يواجهون الظلم والقهر، الحرمان والتهجير وظلم واستبداد الأنظمة.
المجموعة الفلسطينية الأولى
تقدر هذه المجموعة بمليون وسبعماية ألف مواطن فلسطيني داخل فلسطين 1948 حيث يرزحون تحت مراقبة عسكرية شديدة، ويتعرضون للاعتقال الإداري والاضطهاد لأنهم ليسوا يهوداً.
المجموعة الفلسطينية الثانية
تقدر بـ 300،000 فلسطيني يعيشون في القدس البلدة القديمة ويتعرضون لأقصى أنواع القهر والمنع، والاضطهاد والتمييز على الحواجز العسكرية، ومنع الصلاة في المسجد الأقصى، وحرمانهم من الوظائف، والتنقل بحرية، والإقامة الآمنة والبناء، سيما اغتصاب منازلهم من المتشددين الصهاينة.
هذا وأقدمت سلطات الإحتلال على منع المصلين من تأدية صلاة الجمعة الواقعة في 14/7/2017، تكراراً لعملية منعهم الصلاة عام 1969!!! كما وقامت باعتقال مفتي القدس الشيخ محمد حسين، ومنعته من دخول المسجد الأقصى للصلاة.
وكالعادة، التزمت أمريكا وبريطانيا وأوروبا الصمت، تماشياً مع المبدأ الأمريكي! “Do Not ask. Do Not Tell” لم أر ولم أتحدث!!.
المجموعة الفلسطينية الثالثة
تقدر بـ أربعة ملايين وستماية ألف يعيشون في الضفة الغربية وغزة. اليهود المقيمون في مستوطنات على أراضي الفلسطينيين يخضعون للقانون المدني، بينما أصحاب الأرض الشرعيين يخضعون لنظام الحكم العسكري!!.
ألا يعتبر تصنيف نظام قانون مزدوج داخل النظام الواحد والمنطقة السكنية الواحدة نظاماً عنصرياً فاضحاً؟!!.
المجموعة الفلسطينية الرابعة
وفقاً لتقرير هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين UNRWA هذه المجموعة مكونة من ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون خارج فلسطين 1948، وخارج الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967 ويمنعون من العودة إلى بلداتهم وبيوتهم ومزارعهم في فلسطين المحتلة (الخط الأخضر 1948) وكذلك الضفة الغربية التي احتلت عام 1967.
إن مجرد رفض حق عودة الفلسطيني إلى بيته وأرضه يعتبر تمييزاً عنصرياً، سيما حين تقول إسرائيل في كافة لقاءاتها واجتماعاتها ومقابلاتها مع المسيحيين المتصهينين واللوبي الصهيوني AIPAC وإفرازات مثلUIA ومؤتمر رؤساء المنظمات الصهيونية "الفلسطينيون يشكلون تهديداً ديمغرافياً، وإن عودتهم تغيِّر من طبيعة تكوين إسرائيل، ويلغي كونها دولة يهودية (فولك وتلي-تقرير رفع للأمم المتحدة).
هذا وإن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وشبكات التواصل الإجتماعي المتعددة نقلت تصريح نتن ياهو "إن إسرائيل دولة يهودية وعلى القيادة الفلسطينية الإقرار بذلك قبل الدخول في أية تسوية". بينة تفيدُ أن إسرائيل وكافة قياداتها السياسية والدينية والتربوية تصر على نبذ الآخر ثقافياً وحضارياً وإنسانياً. نهج يعود إلى عام 1215، مما دفع المؤتمر المسيحي الرابع إلى إصدار قرار معاقبتهم وطردهم من أوروبا. لم يكن القرار المذكور وليد سياسة دينية أو إثنية أو عنصرية مطلقاً، كان القرار نتيجة ممارسات ونهج اعتمده اليهود في المجتمعات التي عاشوا فيها. لقد نشروا الخداع والرشا، واحتكار رأس المال والرذيلة، وبث التفرقة بين المجتمعات، وأججوا الصراعات الدينية والحروب بين الشعوب.
أشار وليم كار في كتابه أن طرد اليهود من أوروبا كان شاملاً. وقد أَرَّخ أن بداية طردهم كان من فرنسا مرتين عام 1253 و1306، وبعدها كان طردهم من بريطانيا، كذلك مرتين على عهد الملك هنري الثالث عام 1255، والثانية على عهد الملك إدوارد عام 1275، ومن بلجيكا طردوا مرتين أيضاً عام 1360 وعام 1744، وكذلك من النمسا 1420، ومن إسبانيا مرتين 1391 و1491، ومن البرتغال 1498، ومن إيطاليا 1540، ثم كان عام 1939 حيث طردوا من ألمانيا (وليم كار- الصهيونية وراء كل جريمة).
ننصح الباحث والمنقب، الذي يبغي الحقيقة، قراءة كتاب أستاذ الكيمياء في الكيان الصهيوني البروفسير إسرائيل شاحاك، ليقف على موازنة بين ممارسة الصهيونية والنازية حيث وضَّح أن الكيان الصهيوني عنصري كالنازي، يقف مع اليهودي ضد أي فرد من الأغيار (غير اليهود) في العديد من مجالات حقوق العمل والإقامة، التعليم والحقوق المدنية (إسرائيل شاحاك-الديانة اليهودية وتاريخ اليهود 3000 عام).
يدعو الحاخام أفيدا يوسف، الرئيس الروحي لحزب شاس، أنصاره إلى إبادة الفلسطينيين العرب يوم عيد الغفران قائلاً: "نمنع الرحمة والرأفة بهم (العرب). هذا وقد وصف العرب في مقام أخر قائلاً: "إنهم مصاصو دماء".
هذه نماذج من عنصرية مقيتة يرزح تحتها الفلسطينيون من قبل فئة طارئة تتمتع بحماية بعض الدول الأوروبية كروسيا شرقاً وأمريكا غرباً مروراً بانكلترا.
المصادر:
• الكتب الأجنبية
1. Carter, Jimmy- Palestine Peace Not Apartheid Simon & Schuster Paperbacks,2007
2. Mearsheimer ,John J. Why Leaders lie
The Truth About Lying in International Politics
Oxford University Press, 2011
The Israel Lobby and US Foreign Policy
N.4 Farrow, Stains &Girous, 2007
3. Shahak, Israel- Jewish History, Jewish Religion
The Weight of Three Thousand Years
Pluto Press- London, 1994
*الكتب العربية
1- وليم كار – الصهيونية وراء كل جريمة
دار الكتاب العربي 1984
*الصحف ومجلات
1- صحيفة العرب، عدد 61318، الأربعاء 15/3/2017، ولاية كاليفورنيا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها