أعلنت "حماس" في غزة في مؤتمر أو احتفال (كرنفالي) أسماء وتفاصيل (العملاء) كما ذكرت من كادر "حماس" الذين اخترقوا جسد الفصيل لسنوات عدة، ومارسوا من الفتن والقتل والمؤامرات ضد حركة "فتح"، وضد "حماس" وضد الشعب الكثير.

في إعلان "حماس" الاحتفالي بالإمساك بالعملاء تفاخر يصل لحد الغرور، ونظرة مبالغة عُرفت بها "حماس" في غزة التي تجعل من الجرائم أو الهزائم انتصارات، بل وتجعل من اكتشاف الخيانة – على فرضية صحة الاتهامات – يوما مبهجا يستدعي الاحتفال بدلا من أن يكون يوما للطم والبكاء وتنقية الذات والتأمل والمراجعة والحساب الداخلي العسير.

وهذا يذكرني بالتراث العربي، حيث كان أهل الميت فيما سبق يستأجرون (اللطّامات) من النساء اللواتي كن يبدعن بالبكاء والنحيب واللطم على الميت، وكأنهن من أهل العائلة، في مقابل (الرقاصات) في الأفراح والليالي الملاح، والى ما سبق كان الأجدر بحماس أن تستأجر اللطامات لا أن تقيم سرادق الأفراح.

من أكبر العجب أن نحتفل باكتشاف السرطان يستشري بأجسادنا وإن استأصلناه مؤقتا أو استأصلنا جزء منه، قد ندرك أو لا ندرك أننا نحن بتعصبنا وعمانا في القلوب، وكرهنا للأخر وحقدنا وتحريضنا الداخلي والمعلن ساهمنا باستشراء الداء فهل نعاقب المرض ؟ أونكتفي بإزالة الخلايا المتضررة فقط؟

أليس من الأجدر أن يكون لسان حال عقلاء "حماس" كالتالي: كيف لا نعود للنظر في طريقة تعاملنا مع (مُدخلات) النظام أي مُدخلات جسدنا؟ بالتدقيق بالتعبئة الداخلية التي تمزج الدين بالدم وتبيحه بوجه الآخر، فنحن في "حماس" (أو تيار استوطنه الحقد فينا) من سهّل و يسّر وأيد وأفسح ودعم وربما أعطى الأوامر "للمجاهدين" ليقتلوا ببشاعة تنم عن حقد عميق (وعمالة) ما لا يقل عن 800 مجاهد في حركة "فتح" في انقلاب عام 2007 دون أن يرف لنا جفن أبدا، ونحن في "حماس"من أفتينا بجواز القتل صراحة أو بالمعنى، فالفسطاطين يظللنا منها فسطاط الحق مقابل معسكر الباطل.

لقد تم تسويغ الانقلاب ( أو الحسم العسكري كما سمته حماس) في قالب ديني حيث يتقاتل أهل الإيمان مقابل أهل الباطل، ومازال الحبل على الجرار ب"التسويغ" الديني للمواقف السياسية حتى اليوم، ولا شك أن هؤلاء المتهمين بالعمالة-من يثبت عليهم- كان لهم من الدور التخريبي الكثير في الحروب الظالمة ضد غزة.

بدلا من الاحتفال باستئصال السرطان أو جزء منه بشكل مؤقت، كان الأجدر أن يقوم فصيل حماس بالاعتذار عن ممارسة القتل ضد اخوانهم عام 2007 وما سبق هذا التاريخ ولحقه كبداية للمصالحة الحقيقية.

وكان الأولى بقادة "حماس" الجدد في ظل وثيقة (المنهجية المتوازنة) لمشعل، وفي ظل منهج (الوسطية والاعتدال والانفتاح...) أن تعلن "حماس" غزة التوبة علنا عن كل ممارسات شياطينها الذين اكتشفتهم مؤخرا.

كان على "حماس" أن تخجل خجلا شديدا أنها تأخرت في اكتشاف هؤلاء العملاء (إن صحت عمالتهم) وأجراس الإنذار بنخرهم جسدها كانت منذ أيام المرحوم اللواء أمين الهندي الذي تعب لسنوات طوال من التنبيه عليهم بهذا الرتق، ولا حياة لمن تنادي! ومن أنت يا سيد أمين لتتهم "المجاهدين" الأشاوس بالعمالة ؟

كان الأجدر بحماس أن تستغل فرصة الكشف عن العملاء بالعودة لشعبها وطلب المغفرة، لإشعالها الشموع في درب "العملاء المجاهدين"! في فترات الحرب على حركة فتح وفي سنوات الحرب المتصلة على الشعب عامة، وحتى اليوم حيث تحولت الشموع بأيدي البعض إلى مشاعل .

"حماس" في غزة التي تلجأ للبهرجة والزركشة للتعمية على الفشل والهزيمة الفاضحة، ولتحويل الأنظار عن الحساب العسير أخطأت متعمدة وبشكل متكرر، فبدلا من أن تلتقط الفرصة الثمينة وتمد الخيوط للكل الوطني، كما يأمل خالد مشعل وناصر الشاعر واحمد يوسف من العقلاء فيهم-أو هكذا نظن- بدأت كعادتها تصنع بطولات بلا مضمون، وتترك الخلايا المسرطنة بالحقد والكراهية وعقلية البديل تستمر بالانتشار، وافتراض القداسة في جسدها الذي امتلاء بالدنس حسب اعترافات عملائها.

"حماس" التي احتفلت باكتشاف 45 عميل دفعة واحدة، يا للهول! وبعد سنوات، لم تحقق انتصارا ، بل أظهرت فشلها الذريع في مهرجان كرنفالي وكأنه سرادق فرح كان الأولى أن تكون اللطامات بالمقدمة.

"حماس" للأسف أثبتت فشلها المتكرر، فلم تلتقط الفرصة اليوم وتمد يدها للأخ والشقيق بدلا من أن تقطعها أو (تقطع الرؤوس) كما فعلت سابقا، والى ذلك عليها إن تحاسب نفسها حسابا عسيرا لتكون على مقدار الوثيقة الجديدة وثيقة "المنهجية المتوازنة".

"حماس" في غزة هي التي أتاحت للعملاء بإرادة الحاقدين فيها مساحة واسعة من العمل ك"مجاهدين"! مخلصين في سبيل الشيطان، ولأنها شدت على أياديهم ولأنها ألقت لهم السمع، وأيدت إرهابهم ومجازرهم بالفساد والدعم، وربما القرار.

إن "حماس" التي أعلنت بمؤتمرها هزيمتها أمام الحقد والكراهية ونفي الآخر والمفاصلة تطهّر نفسها من بعض الخلايا السرطانية التي أكلت القلب والكبد، ولكنها لم تستطِع أن تصل لتلك الخلايا التي تأكل الدماغ ،ومع ذلك ترقص وتطرب على جثث ألاف الشهداء الذين قضوا في سبيل الله والوطن نتيجة هذا السرطان والسياسات الضالة.