من «بيت لحم»، مدينة المحبة والسلام، مهد الحضارات وشعاع العلم والنور، انطلق الصوت الهادر للشاب الأسمر الواعد «يعقوب شاهين»، ابن فلسطين الذى حاز على لقب  محبوب العرب=«أرب آيدول» فى موسمه الرابع، ليكون الفلسطينى الثانى الذى يحوز على لقب «محبوب العرب» فى ظل منافسة قوية وصعبة من المشاركين، وأوضاع عربية تدعو للشفقة والرثاء بعد أن مزقتها الصراعات وفصلت بين حدودها الانقسامات وحرقت استقرارها الحروب ومشاهد القتل ورائحة الدم، صوته ذو الطبقات المتنوعة القوية المحكمة الجامعة بين الجبلى والطربى والموال كان بمثابة صرخة عابرة للحدود، تخطت جدران العزل القسرى وحواجز الانتقام والاعتقال لتقول «نحن نحب الحياة» رغم الاحتلال والقتل والحصار وكل عوامل قهر الإنسان للإنسان، ما زلنا ننبض بحب الحياة ولدينا الأمل فى غد تشرق عليه شمس الحرية.
 
أسر الشاب الأسمر بأدائه الساحر وصوته الدافئ لجنة التحكيم، كان يفاجئها ويسلطنها بتحكمه فى طبقات صوته القوى وتمكنه من غناء اللون الطربى بتميز، عندما غنى بالصوت الجبلى دنت المسافات بين حلب وفلسطين، فكلتاهما تتلظى بنيران الحروب وسفك الدماء وأصوات المدافع وزخات الرصاص وتهجير الأبرياء، بينما كان للموال رسالة شجن على نحو خاص أعادت الأوجاع والآلام لأهل العراق الممزقة بجحيم الفتن، واليمن المحترقة بنار الطائفية، وسوريا التى تئن فى كل الاتجاهات، وإذا كانت السياسة قد فرقت السبل بين الأنظمة العربية، فإن الفن جمع بين شعوبهم وألف بين قلوبهم.
 
فعندما أثارت ديانة يعقوب شاهين الكثير من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعى وأثار الفضول جمهور المعجبين عبر محرك البحث جوجل إن كان مسيحياً أو مسلماً، جاء الرد سريعاً بأن فلسطين بمسيحييها ومسلميها يد واحدة، كلهم فلسطينيون لا مجال للتمييز أو التفرقة بينهم، لأنها لا تخدم سوى العدو الصهيونى، وكانت احتفالات ساحات وميادين مدينة بيت لحم الفلسطينية بمسلميها ومسيحييها بفوز «يعقوب» تشهد على وحدتهم وتآخيهم وتقاربهم، فلم تغير ديانة «يعقوب» من تشجيع أهل فلسطين لفنه، ولم تقلل من إيمانهم بموهبته، ولم تكن عائقاً على فوزه، لقد قالها «يعقوب» عالية صادقة من القلب عبر تغريدة له: «أنا ابن لحم وصوتكم الذى لا ينتهى، شكراً لقلوبكم ومن هنا نبدأ».
 
هو يستحق أن يكون ابن «بيت لحم» مدينة السلام والمحبة والتسامح، ابن الحلم فى مدينة الصمود والتحدى، وهنا تعود بنا الذاكرة إلى أحداث «كنيسة المهد» بكل تفاصيلها المؤلمة والقاسية التى لم تبارح عقول ومخيلة كل من عاشوها لحظة بلحظة وتقاسموا فى لحظاتها المُرة قطرات الماء وكسرة الخبز وورق الشجر ليعينهم على البقاء على قيد الحياة، بعد حصار جيش الاحتلال للكنيسة دام لمدة 40 يوماً حاولت فيها إسرائيل كسر إرادة المقاومين الذين تحصنوا داخل الكنيسة عام 2002 إبان الانتفاضة الثانية، وكانت الكنيسة بقساوسها وأساقفها ورجال دينها هم الضمانة الوحيدة لسلامة المحاصرين من أبناء المقاومة الفلسطينية، كان المسيحى يداً بيد مع المسلم سقط خلالها شهداء مسيحيون من الكنيسة التى دافعت عن المقاومين المسلمين الذين لجأوا إليها وتحصنوا بها وأمنوا لها، وهو دليل يقطع الشك باليقين بأن فلسطين واحدة لا فرق بين مسلم ومسيحى، فهم أبناء وطن واحد وحلم واحد وقضية واحدة وهوية وحيدة هى هوية فلسطين.
 
أن يخرج ابن من أبناء مدينة السلام ليقول للعالم بفنه وموهبته ها أنذا لا يشغلنى محاربتكم لنا ولا قتلكم لأحلامنا ولا تدميركم لمستقبلنا، فنحن شعب أحب الحياة ويناضل من أجل الحياة، فهو بذلك يرفع اسم فلسطين عالياً، لأن فلسطين ليست كباقى دول العالم، يجد فيها الفنان ما يريده ويتسع المدى لتحقيق أحلامه بل هو مكبل بقيود الاحتلال الإسرائيلى وقمعه المستمر لكل مقومات الحياة، لكن ورغم صعوبة الحياة وممارسات الاحتلال العدوانية إلا أن حب الحياة ينتصر على قمع وغطرسة احتلال فاشٍ لم يعهد مثله التاريخ، فلسطين لديها الكثير من المبدعين أمثال «يعقوب» وربما أفضل، لأن فلسطين ولاًدة وهى قادرة على أن تنجب المزيد من الموهوبين والعظماء مثلما أنجبت محمود درويش وإدوارد سعيد وأميل حبيبى وسميح القاسم وغيرهم كثيرون، فطالما بقى الحلم واستمر الإصرار على البقاء والإيمان بالحق فى الحياة، لن تلين لهم عزيمة ولن تكسر لهم همة مهما ضاق بهم الحال وتضافرت جهود الاحتلال ومواليه بمؤامراتهم لتصفية هذا الشعب فهو عصى على الركوع.