عندما تعبر الحرب عن الروح العسكرية للوسط – يسار العلماني، فالروح العسكرية العلمانية والعقلانية، وليس الخلاصية، تسيطر على السياسة أكثر مما مضى، وأن شكل إدارة إسرائيل للحرب لا يختلف جوهريًا عن الشكل الذي أدارت فيه حروبًا في الماضي.

في مقالٍ نُشر في صحيفة هآرتس في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي للباحث في العلاقات بين الجيش والمجتمع في إسرائيل، بروفيسور ياغيل ليفي، قال فيه: أنه "بالرغم من أن هذه مخاوف ليست مفندة، لكن صورة الوضع معقدة أكثر بكثير، وأن طواقم سلاح الجو، والاستخبارات ومنفذي خطط الذكاء الاصطناعي ليسوا خلاصيين، وهم ليسوا من أنصار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بكل تأكيد. ومن الناحية الاجتماعية هم جزء من نواة الوسط – يسار الصلبة. لكنهم المسؤولون أيضًا عن حجم القتل غير المسبوق للفلسطينيين في قطاع غزة".

وفي الأسابيع الأولى لحرب الإبادة الجماعية برز لدى قسم منهم الحماس حيال القتل وغريزة الانتقام، وفق ما كشفت التحقيقات. فشهية الانتقام ليست حكرًا للحريديين – القوميين أو (اليهود) الشرقيين.
ويقول ليفي: أن أهداف الحرب غير الواقعية والمعزولة عن أي منطق سياسي، لكنها تخلو من شحنة خلاصية، تبناها الوسط – يسار بحماس شديد، ومثقفوه أيضًا، الذين شدتهم لازمة القضاء على الفصائل الفلسطينية. فلماذا نتذمر عندما يقود نتنياهو الجيش بمنهجية من أجل تحقيق هذه الغاية، حتى إذا كان هذا يعني حربًا لا تنتهي؟.
حتى أن الصحافة المكتوبة والإلكترونية أيضًا، سارت بشكل أعمى خلف ما وُصف بأنه أهداف الحرب وحرصت على تجاهل أحجام القتل والدمار في صفوف الفلسطينيين، مثلما تثبت تقاريرها. كما أن مؤسسات ليبرالية بارزة امتنعت عن ذكر المعاناة في غزة، ولم تعمل من منطلقات خلاصية.

وعلى سبيل المثال، منظر الحرب وصاحب خطة الجنرالات وفكرة تجويع الغزيين الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، وهو من أهم الذين يمنحون الشرعية للحرب، لا ينتمي إلى الجمهور الخلاصي. وخطته لتشديد الحصار على غزة لا تهدف طبعًا إلى شق طريق للعودة إلى غوش قطيف في غزة التي تم إخلاؤها في عام 2005، وهو يمثل تيارًا هامًا في الروح العسكرية العلمانية الإسرائيلية.
كما أن إرهاب المستوطنين الخلاصيين في الضفة الغربية، نشأ في السنوات التي كان فيها سموتريتش وبن غفير بعيدين جدًا عن مواقع التأثير في الحكم.
وليس الخلاصيين أيضًا هم الذين وعظوا بالتصعيد في لبنان والذين طلبوا التوقف لفترة قصيرة والبحث في تبعاته. ومفهوم الضربة العسكرية بمعزل عن منطق سياسي هو جزء من DNA المفهوم الأمني الإسرائيلي، الذي بموجبه القدرة تقود إلى الفعل العسكري وليس المنطق السياسي. والتصعيد قاده الجيش بدون ضغوط من الكابينيت اليميني.
كما أن الإعجاب بالقدرات التكنولوجية الكبيرة للجيش ينطوي على بُعد لاهوتي، لكن ليس خلاصيًا. وهل رئيس المعارضة يائير لبيد ونائب رئيس هيئة الأركان السابق يائير غولان، ورئيس حزب الوطنيين اللذان تنافسا في معارضتهما لوقف إطلاق النار، هما خلاصيان أو من أنصار نتنياهو؟ كما أن المطالبين بالرد على إيران ليسوا خلاصيين.

هذه الحرب ليست خلاصية، كما أنها ليست مدفوعة بمصالح نتنياهو السياسية فقط. كما تدعي المعارضة ووسائل الإعلام الاسرائيلية، وأنه كمن يرضخ لإملاءات اليمين المتطرف الخلاصي في حكومته، وأنه يتجه إثر ضغوطهم عليه ومن أجل الحفاظ على حكمه.
وهي مغروسة عميقًا في الثقافة السياسية الإسرائيلية العلمانية، رغم أنها أصبحت أكثر تطرفًا في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وبيأسها، تقوم القبيلة البيضاء بطقوس تطهر كي تزيل عنها المسؤولية عن نتائج الحرب، اللا أخلاقية واللا إستراتيجية، لكن عليها محاسبة نفسها على الدماء التي سُفكت وتسفك.