شهدت الساحة الإسرائيلية على مدار الأيام الماضية حوارا ساخنا بين النخب السياسية والعسكرية، إنخرط به كتاب الرأي في المنابر الإعلامية بمستوياتها المرئية والمسموعة والمقروءة بعد نشر مراقب الدولة العام، يوسف شابيرا تقريره النهائي عن حرب إسرائيل على قطاع غزة تموز/ أغسطس 2014 عصر الثلاثاء الماضي. فحمل خلطاً للأوراق الحزبية والسياسية والأمنية بشكل ملفت للنظر. وكشف عن مثالب ونواقص تكتيكية فاضحة في إدارة الحرب مع إنها هي التي حددت ساعة صفرها، وقررت زمانها ومكانها ووفق بنك أهدافها ومصالحها الإستعمارية، وهي صاحبة اليد الطولى، لإن موازين القوى تميل لصالحها بكل المعايير.
وهنا المرء لا يبغي الإقتباس من هذا المسؤول أو ذاك المنبر الإعلامي لقراءة التداعيات الناجمة عن التقرير القنبلة، إنما سيتم إستخلاص الإستنتاجات من مجريات النقاش العاصف على مدار الأيام الماضية، ومنها: اولا إنقسام الشارع الإسرائيلي إلى أربع قطاعات، تمثلت في فريق مؤيد لما حمله التقرير من إستنتاجات، وهو الأغلبية؛ فريق دافع عن نتنياهو ويعلون وبني غانتس وكوخافي، وهو الأقلية؛ وآخر مسك العصا من المنتصف، وحاول تحميل المراقب العام شبيرا المسؤولية عما يجري، وإدعى أصحاب هذا الفريق بعدم أهلية القاضي شبيرا للخوض في هذا المضمار؛ وفريق أخير نأى بنفسه عن كل الحوار. متهما الجميع بتحمل المسؤولية عما آلت إليه الأمور.
هذا التوزع والتباين والتناقض بين أطياف الشارع السياسي والعسكري والإعلامي والأكاديمي الإسرائيلي بسط المشهد الإسرائيلي على إتساعه امام المراقبين المهتمين، ليستخلصوا ما أفرزته تلك القراءات والتداعيات للتقرير. ومنها: أولا أظهر التقرير أن الكابينيت الإسرائيلي المصغر عشية الحرب، والمسؤول عن قرار الحرب، لم يكن على إطلاع على كافة التفاصيل المتعلقة بحرب "الجرف الصامد"، كما أطلقت عليها حكومة نتنياهو آنذاك. ورغم تأكيد يعلون وغانتس ومكتب نتنياهو، إنهم وضعوا المعنيين بالأمر بكل التفاصيل، إلا أن الآخرين والوقائع كشفت عدم دقة وجهة نظرهم؛ ثانيا غياب الخطة العسكرية المحددة، وحتى السيناريوهات المفترضة، الواجب مرافقتها وملازمتها للتطورات ببعديها السلبي والإيجابي. وهذا لا يتناقض مع بنك الأهداف، الأمر الذي خلق نوعا جليا من الإرباك في صفوف القيادة العسكرية المركزية والقيادات الميدانية، وإنعكس في حجم الخسائر والمفاجأة الناجمة عن الأنفاق؛ ثالثا إدعاء الإنتصار للتغطية على العجز والتغول في إستباحة دم أبناء الشعب العربي الفلسطيني في محافظات الجنوب، وإطالة أمد الحرب الوحشية؛ رابعا المتتبع لما نشر من كيفية الحوار داخل الكابينيت المصغر وغيره من المستويات، إكتشف بشكل عميق الوضوح هشاشة وفقر حال ذلك الكابينت، حيث تبين أنهم لم يناقشوا فكرة إستراتيجية واحدة، بل غرقوا في مناقشة تفاصيل ثانوية وهامشية. وهو يشير إلى أن القيادات السياسية الإسرائيلية، هي قيادات سطحية وغير عميقة وشعبوية. هذا لا يعني غياب القيادات الإستراتيجية المتخصصة في الميادين المختلفة، لكن المقصود المستوى السياسي الإسرائيلي الجالس على رأس الحكم؛ خامسا غياب التكامل بين مكونات الحكومة عام 2014، ويبدو انه حال كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مع فارق نسبي بينها إرتباطا بمراحل تطور المشروع الصهيوني الإستعماري. ليس هذا فحسب بل نهش كل شخص وحزب وقوة ومركز قرار للآخرين؛ سادسا السمة العامة بين مختلف النخب الهجوم على رجال القضاء والقانون، مع إنهم جزء لا يتجزء من منظومة دولة التطهير العرقي الإسرائيلية.

غير ان النخب اليمينية المتطرفة ترفض اي تمايز نسبي بين رجال القانون والقيادة السياسية الإستعمارية، وتريدها نسخة كربونية عنها؛ سابعا الشيء الثابت في الخطة والحرب الإجرامية الإسرائيلية على قطاع غزة، هو المحافظة على وجود حركة حماس في السيطرة على القطاع. دون أن يسقط ذلك، مشاركة بعض قوات حركة حماس في الحرب، وإستبسالهم في القتال. أولا لأن إلتزمهم مع حماس، ناجم عن إعتقادهم انها مشروع "مواجهة مع إسرائيل"، ثانيا لإنهم أسرى الخطاب والشعار السياسي المعلن؛ والأهم كونهم لا يعرفوا حقيقة خلفيات مشروع الإخوان المسلمين.
هذه بعض الإستنتاجات، التي تكشف عن جانب من جوانب هشاشة الدولة الإسرائيلية. وكيفية إدارة السياسة والحرب في ظل قيادات ديماغوجية شعبوية فاشية. والنتيجة ان قوة الدولة الإسرائيلية المارقة يعود لحالة الضعف العربية، ولتواطؤ الغرب الإستعماري معها.