أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، أن الحكومة اليمينية في إسرائيل تسعى إلى انتهاز فرصة التشوش الحادث على الساحة الدولية، وما تظن أنه ضوء أخضر لها لتمعِن في الاستيلاء على الأرض، واستكمال مشروعها الاستيطاني البغيض الذي يقوض احتمالات تحقيق حل الدولتين، مشيرا إلى أنه يجعل من الصعب إقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

وقال ابو الغيط في كلمته امام الجلسة الافتتاحية لأعمال المؤتمر الثاني للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية، التي بدأت اليوم بمقر الجامعة العربية في القاهرة بحضور وزير الشؤون الخارجية والتعاون للجمهورية الإسلامية الموريتانية إسلكـو أحمـد ازيـد بيـه ممثلا عن الرئيس الموريتاني، ورئيس البرلمان العربي مشعل السلمي، "ان هناك بالقطع ما يُقلق في بعض ما أُعلن بشأن القضية الفلسطينية، التي ما زالت عنوانا أساسيا على أجندة الاهتمامات العربية، مضيفا انه كما تعرفون جميعا أن الإرادة الدولية اجتمعت على إدانة هذا النهج الإسرائيلي، واعتبرت المستوطنات خروجا على القانون في القرار التاريخي 2334 الصادر عن مجلس الأمن في ديسمبر 2016.

واوضح، أن مؤتمر السلام الذي عُقد في باريس الشهر الماضي بحضور ممثلون عن أكثر من سبعين دولة، جدد التزام المُجتمع الدولي بحل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي، مؤكدا انه بقي أن يتحقق هذا الالتزام فعليا وأن يجري إنفاذ هذه الإرادة الدولية، فليس معقولا ولا منطقيا أن تفرض دولة واحدة إرادتها على المُجتمع الدولي بأسره، وأن تكون سببا في إشاعة هذا القدر من انعدام الاستقرار والاضطراب في المنطقة، بل وفي العالم كله.

وقال ابو الغيط، إن المجالس والبرلمانات العربية مدعوة إلى الإبقاء على قضية فلسطين حية، وعليها الاستمرار في التحرك وتكثيف جهودها في إطار الدبلوماسية البرلمانية مع نظرائها من البرلمانات الدولية، لتأكيد مطالب الشعب الفلسطيني في المحافل والمؤتمرات البرلمانية الدولية، ولا تعارض أبدا بين الدبلوماسية الحكومية والدبلوماسية البرلمانية، فالأخيرة موازية للأولى ومكملة لها.

واشار الامين العام، الى إن الأزمات التي تعصف ببعض بلداننا العربية، سواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا، تفرض على البرلمانيين العرب مسؤولية ضخمة، فما يجري في هذه الأقطار العربية هو شأن يهم المواطنين العرب من المُحيط إلى الخليج، ويتعين على أعضاء المجالس النيابية والبرلمانات الاضطلاع بمهامهم في مناقشة هذه القضايا الخطيرة، وطرحها للجدل العام، وإشعار الجمهور بأهميتها وخطورتها وضرورة التداعي الجماعي لمعالجتها والتعامل مع تبعاتها الخطيرة في إطار منظومة العمل العربي المشترك، حفاظا على الدولة الوطنية العربية وسيادتها ومقدرات شعوبها.

وقال ابو الغيط، "إننا نشهد حالة غير مسبوقة من التكالب على العالم العربي من جانب قوى إقليمية تستغل فُرصة الفوضى التي ضربت بعض ربوعنا، هذه القوى تعمل على إذكاء الفوضى وتعميق التفكك عبر تبنيها لمشروع طائفي يُقسم الأوطان على أساس الهوية الدينية، ويبث فيها بذور الشقاق والاحتراب، ومن واجب الشعوب العربية، قبل الحكومات، مواجهة هذه المُخططات التخريبية التي تستهدف استقرارها بالدرجة الأولى، وترمي إلى تمزيق نسيجها الوطني وتفكيكها، مضيفا انني على ثقة من أن قيادات العمل البرلماني العربي على وعي كامل بهذه المخاطر، ولديهم إدراك لمسؤولياتهم إزاء تنبيه الناس لها وتحذيرهم منها.

وشدد الامين العام على ان هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها أمتنا العربية تقتضي منّا جميعا الاجتهاد، فيدفع العمل العربي المشترك بكل أشكاله وفاعلياته، سواء فيما يتعلق بالحكومات أو البرلمانات أو منظمات المُجتمع المدني، مشيرا الى ان الجامعة العربية تظل فوق ذلك البوتقة الحاضنة لفكرة العروبة بمعناها الواسع، وتبقى الخيط الناظم لكل مسارات العمل العربي في أبعاده الشعبية والرسمية على حدٍ سواء، فالعمل المُشترك ظل لسنوات طويلة حكرا على الرسميين من ممثلي الحكومات، وكان في ذلك إغفال لجانب مهم من جوانب المنظومة العربية، ولا شك أن البرلمانات العربية تعد التجسيد الحقيقي لإرادة الشعوب العربية، والممثل لطموحاتها والمعبر عن آمالها وتطلعاتها، وهي بذلك ركن لا غنى عنه في منظومة العمل العربي.

وقال "إننا نرصد إشارات متضاربة من الإدارة الأميركية الجديدة، ونُفضِل أن نتريث وأن نُراقب ما يجري، فبعضُ توجهات هذه الإدارة في التصدي للإرهاب بكافة صوره يتفق مع المصالح والأهداف العربية -كما نفهمها- كما أن موقفها من بعض القوى الإقليمية التي جاوزت المدى في تدخلاتها في الشؤون العربية يُعد إيجابيا، على أن الوقت ما زال مُبكرا للحُكم على مُجمل توجهات الإدارة أو مواقفها من العالم العربي.

واكد ابو الغيط، ان الإرهاب أطل بوجهه القبيح، وأمعن في القتل العشوائي والخراب والفساد في الأرض، فلم يعد هناك مجال للشك في خبث دوافعه، أو خطورة أهدافه أو ما يُمثله من خطر على صورة الدين الإسلامي الحنيف، مشيرا إلى ان مواجهة الإرهاب تستلزم اصطفافا عربيا من الشعوب إلى جوار الحكومات، وانها معركة طويلة ولها جوانبها الاجتماعية والفكرية، ذلك أن تجفيف منابع هذا الفكر المنحرف الذي ينهل منه المتطرفون، يقتضي جهدا حقيقيا على ساحة تطوير الخطاب الديني والوصول به إلى قطاعات الشباب، التي تقع فريسة سهلة لأجندة التطرف والعنف... وما من شك في أن البرلمانات العربية تضطلع بمهمة كبرى على مستوى العمل العربي المُشترك في التصدي للإرهاب، فهناك حاجة ماسة لتفعيل الأطر القانونية لمُجابهة العُنف والتطرف ومن بينها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مشيرا إلى أن على البرلمانات مسؤولية لا تقل جسامة في مجال تبني قضية الخطاب الديني باعتبارها قضية عربية كُبرى تمس حياة المواطن العربي، وتتصل بحاضره ومستقبله.

من جانبه اشار رئيس البرلمان العربي مشعل السلمي، الى ما تمثله دولة اسرائيل من تهديد للأمن القومي العربي، من خلال احتلالها البغيض للأراضي العربية في فلسطين وسوريا وجنوب لبنان، وممارساتها العنصرية البغيضة ضد الشعب الفلسطيني الصامد.

واكد السلمي في كلمته الافتتاحية، ان القضية الفلسطينية ستبقى هي القضية المركزية والجوهرية لأمتنا العربية، وان إقرار حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس، وإطلاق سراح جميع الأسرى من سجون الاحتلال، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، استنادا إلى القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، والتمسك والالتزام بمبادرة السلام العربية، هو السبيل الوحيد لإحلال السلام الدائم والشامل في الشرق الأوسط.

واضاف، إن موقفنا ثابت إزاء محاربة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره وفي كافة الدول العربية والعالم بلا استثناء، وإدانة الجرائم التي تمارسها التنظيمات والجماعات الإرهابية، خاصة تنظيم داعش الإرهابي، والمليشيات المسلحة، وما ترتكبه من جرائم وحشية ضد الأبرياء.

واشار السلمي، الى ان هذا الخطر الذي بات يهدد أوطانَنا جميعا، دون استثناء، وتكتوي بناره العديد من الدول والمجتمعات العربية يوميا، بفعل محاولات عدوانية من قوى الظلام البغيضة، للنيل من حقوق الشعب العربي في حياة حرة كريمة ومستقرة، ولتعطيل مسيرته التنموية، الأمر الذي يستدعي منا تأكيد العزم مجددا على اجتثاث هذا الخطر بكل الوسائل المتفق عليها، واجتثاث التطرف الفكري والديني من المجتمعات العربية.

وترأس وفد دولة فلسطين في المؤتمر، رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون، وضم أمين سر المجلس السفير محمد صبيح، وعضو المجلس الوطني "رئيس الدائرة الإعلامية" عمر حمايل، وسفير دولة فلسطين لدى مصر ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية جمال الشوبكي، والدبلوماسي ممدوح سلطان من مندوبية فلسطين في الجامعة العربية.