العمل في الغربة ضغوطه مضاعفة، وتأسيس أي مشروع في مجتمع متنوع الجنسيات والأعراق والثقافات يزيد الأمور صعوبة، والاستمرار والتقدم والصعود هي أيضاً أصعب، حتى في الأوضاع الطبيعية، فما بالك بالصعوبات والتحديات لممارسة الأعمال في الغربة، وكيف هو الحال إذا كانت من ستبدأ بإنشاء فرصة العمل هي سيدة؟ وكيف ستعمل هذه السيدة لتصبح رائدةً في أعمالها، دون اغفال التزاماتها الأخرى؟ أي نجاح العمل ينبغي ألا يكون على حساب الأسرة، والا يكون على حساب متطلبات الأبناء وتعليمهم واحتياجاتهم، لان الام هي موطن أبنائها في الغربة، ولذا عليها ان تكون دوماً قريبة مستجيبة وإيجابية رغم كل الضغوط.

رغم ذلك قررت المهندسة حنين التميمي (32عاما)دخول عالم الأعمال  بعد تخرجها وحصولها على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة بيرزيت عام 2007، حيث تمكنت من الحصول على فرصة عمل في مجال اختصاصها في دولة الإمارات العربية المتحدة وانتقلت من فلسطين للإقامة في إمارة أبوظبي، وانضمت للعمل فوراً كمهندسة معمارية رئيسية في شركة للاستشارات الهندسية في أبوظبي.

من الهندسة المعمارية إلى عالم الأعمال

طموح حنين لم يتوقف عند الهندسة المعمارية وتفوقها في عمل التصميم الخارجي والداخلي لكثير من العقارات في إمارة أبوظبي وأيضاً في إمارة دبي، بل أحدثت تغييراً جوهرياً في مسار حياتها المهنية من خلال دخولها عالم الأعمال، وعن هذه النقلة تقول التميمي "في البداية كانت الدوافع مجرد مساندة زوجي في أعماله ومشاريعه في شركة الهندسة الاستشارية التي يمتلكها،  لكن مع الوقت وجدت أن لدي رغبة في تغيير نمط حياتي المهنية والعملية من خلال تغيير مجال العمل والبحث عن تحد جديد، حيث إنني وجدت في العمل الحر تحديات وصعوبات تجعل العمل بعيداً عن روتين الهندسة المعمارية، خاصة أنني كنت أمتلك خبرة في الإدارة نتيجة الاحتكاك والتجربة المتراكمة ما جعلني قادرة على إدارة مشروعي الخاص".

وتضيف حنين" تشجيع زوجي وعائلتي لي كان الدافع الاقوى حتى أقوم بمشروعي الأول وتأسيس أول مركز للإبداع والابتكار في إمارة أبوظبي، وحاولت أن أعمل على توظيف خبرتي وإمكانياتي كمهندسة معمارية في رسم تصميم داخلي يجعل من المركز متفرداً ومتميزاً في هذا الجانب، حيث حرصت على إحضار المواد الأساسية للديكور الداخلي من فلسطين وتوظيفها بشكل أصيل يضفي جوا من الأصالة والعراقة على المكان".

وتتابع" حاولت في المراحل الأولى لتأسيس المركز أن أقدم فكرة جديدة ومتفردة وأن أكون سباقة في تأسيس مكان يقدم خدمات منوعة لجميع أفراد الاسرة فتنوعت بين تقديم دروس الفن من الرسم والتلوين والتشكيل بالطين والفسيفساء و صناعة الصابون و المجوهرات وغيرها الكثير من الأعمال ، إلى جانب تخصيص جزء من المشروع ليكون مطعماً يقدم أطباقاً منوعة بين المطبخين الشرقي والاوروبي. فكرة المركز جديدة ولم يسبق لها مثيل في دولة الإمارات، حيث جمعنا بين الفن والطعام تحت سقف واحد،  كنت حريصة من البداية على تأسيس مشروع يخدم جميع الأذواق وجميع الأعمار والفئات والجنسيات".

الغربة .. التحدي الأكبر

الانتقال من بلد لآخر يتطلب من الإنسان أن يكون قادرا على التكيف مع طبيعة البلد الجديد الذي انتقل اليه، خاصة إذا كان يطمح لتأسيس العمل الخاص به، و جاهزيته للبدء في بيئة جديدة ومدى توفر البيئة الحاضنة الجاذبة والمشجعة للاستمرار والنجاح، وفي هذا الجانب تؤكد التميمي " الغربة .. من أهم الصعوبات التي نواجهها كمقيمين  في الخارج بشكل عام ، وسيدة الأعمال بشكل خاص، فنحن نسعى لتأسيس الأعمال الخاصة بنا وتحقيق طموحاتنا وأهدافنا، و الإقدام على تنفيذ أي مشروع يتطلب منا أن نكون قادرين على التأقلم والتعامل مع بيئة جديدة ومختلفة كلياَ عن بيئتك الأصلية، حيث مطلوب منك أن تتعامل مع جنسيات مختلفة وفهم أذواقها وثقافاتها وحتى لغاتها المتعددة، فالعمل في الغربة ضغوطه مضاعفة، والعمل في مجتمع متنوع الجنسيات والأعراق والثقافات والعادات يزيد الأمور صعوبة ، ويتطلب الكثير من الإمكانيات والخبرة والقدرة على التعامل. لكن إصراري على تحقيق أهدافي وتنفيذ مشاريعي يجعلني قادرة على التعامل مع هذه البيئة المتنوعة من خلال دراستها والتعرف على احتياجات وأذواق كل جنسية داخلها".

وتضيف التميمي "إن بداية تحقيق أي هدف تكون صعبة والاستمرار والتقدم والصعود هي أيضاً أصعب، حتى في الأوضاع الطبيعية، فما بالك بالصعوبات والتحديات لممارسة الأعمال في الغربة، وكيف هو الحال إذا كانت من ستبدأ بإنشاء فرصة العمل هي سيدة؟"

الامتياز سر النجاح

وعن سؤالها عن كيفية حفاظها على الاستمرار في مشروعها والمضي قدماً، في بلد مثل الإمارات تتنافس فيه الكثير من العلامات التجارية ، قالت التميمي " الامتياز هو سر النجاح والاستمرار، حيث أنني أسعى إلى التفرد والتميز في مشروعي من خلال التصاميم الداخلية والخارجية التي أحاول من خلالها جعل الزائر يشعر وكأنه في بيته، إلى جانب تقديم خدمات متنوعة تهم جميع أفراد الأسرة بدءا من توفير الحضانة للأطفال الرضع، وصولاً إلى مشغل الفن والابتكار الذي يمكن أن تشارك فيه جميع الفئات العمرية وتقديم الاطباق المتميزة. ودائما أسعى إلى إضافة كل ما هو جديد ويهم الزوار، من خلال عمل استطلاع رأي دوري والتعرف على ما يهم الزائر ، وما يتم الإجماع عليه نعمل جاهدين على توفيره. إضافة الى بناء خطة عمل واضحة وشاملة خاصة بالتطوير والتغيير الدائم والابتعاد قدر الإمكان عن كلاسيكية وروتينية العمل التقليدي الثابت" .

من خلالها معاصرتها للتجربتين النسويتين الفلسطينية والإماراتية في مجال عالم الاعمال، اكدت التميمي "أن هناك فروقاً واضحة ، حيث إن تجربة المرأة الفلسطينية بطبيعة الحال أصعب، فالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجعل من مشاركة المرأة الفلسطينية في عملية التنمية الاقتصادية لا تزال ضعيفة، والأهم تطوير  قوانين تساعد على تمكين وزيادة مشاركة المرأة في العملية الاقتصادية للنهوض بعملية التنمية الشاملة والمستدامة في فلسطين".

وتستدرك التميمي قائلة " ورغم ذلك تسعى المرأة الفلسطينية دائما لتعزيز دورها والمشاركة في عملية التنمية الاقتصادية ، حتى لو من خلال تأسيس مشاريع صغيرة برأسمال بسيط وتحمل إدارته وأعبائه المهنية والاجتماعية إيمانا من المرأة الفلسطينية بأن هذا واجب وطني ومجتمعي وأخلاقي قبل أي شيء، المرأة الفلسطينية مبدعة بطبيعتها، وهذا ما يجعلنا نفتخر دائماً بنسائنا وسيدات أعمالنا الفلسطينيات اللواتي استطاع عدد منهن من صنع وتحقيق النجاح سواء داخل فلسطين أو خارجها  " .

وبالنسبة للتجربة النسوية الإماراتية في مجال الأعمال قالت التميمي" ثقافة العمل لدى المرأة الإماراتية متطورة جدا ولا يوجد ما يحدد طموحها في مجالات أعمال مختلفة، وما يساعدها على ذلك توفر  قوانين العمل في دولة الإمارات إلى جانب المساندة المتنوعة التي تحصل عليها من الدولة وهي من العناصر الأساسية التي تساعدها على البدء بتأسيس مشروعها الخاص" .

تحول نوعي

حول قدرة المرأة العربية على تحقيق المكتسبات التي ترضي طموحها خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يواجهها الوسط العربي حالياً ، قالت التميمي " تعمل البلدان العربية اليوم على استغلال مهارات أفرادها وإمكانياتهم وخبراتهم في مجال ريادة الأعمال لتنويع مصادر دخلها واقتصادها، بدل الارتكاز على الموارد الطبيعية. ومن هنا أصبحت لدى المرأة العربية فرصة لأخذ المكانة اللائقة بها في هذا المجال وتحقيق تأثيرها الإيجابي في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية، وهذا ما أصبحنا اليوم نلمسه من خلال التحول النوعي نحو المرأة في مجال الأعمال الحرة والتجارة.  واستمرارية صعود المرأة في هذا المجال يتطلب توفير مناخ ملائم ودعم مادي وتحرر من الموروث الثقافي الذي يقيدها".

بات الإعلام اليوم ومع ثورة مواقع التواصل الاجتماعي أقوى وأكثر تأثيراً، وعند سؤال التميمي عن دور الإعلام في التعاطي مع مواضيع وقضايا سيدات الأعمال، أوضحت "أن للإعلام النظيف والهادف دوراً ورسالة وقدرة على التغيير والتسريع به، وأنا أحترم الإعلام الذي له هذه الأهداف وتلك الرسالة ويشرفني دوما التعاطي معه ، ولكن لا يزال للإعلام دور كبير لم يقم به حتى الآن، فمن خلال متابعتي لأخبار السيدات العربيات المغتربات بشكل عام وسيدات الأعمال الفلسطينيات بشكل خاص، وجدت ان هناك عشرات وربما مئات قصص النجاح، في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والخدمات الحكومية بشكل عام، وقد تساءلت أكثر من مرة: هل توجد هناك جهة تعلم بهذه القصص؟ هل هناك جهة توثقها باعتبارها جزءا من تجربة الوطن والمواطن؟ هل هناك جهة تسعى او تعمل على متابعتها وتشجعيها وتنظيم فعاليات مهنية محترفة لها؟ فربما تنتقل عدوى النجاح والتميز منها لسيدات جدد! لأنني على قناعة بأن القيادة ليست صفة او لقباً نطلقه على شخص، وانما هي حياة او تجربة شخص تؤثر في حياة وتجربة شخص آخر فتلهمه نحو مستقبل جديد.

ومن هنا يلعب الإعلام دوراً مهماً تسليط الضوء على التجارب النسائية الرائدة والناجحة ونشرها ليستفيد الآخرون منها بحيث لا يقتصر الأمر على عدد محدود من الوجوه النسائية المعروفة والمشهورة بل يجب أن يتعداه للبحث عن الأوجه الشابة والمتميزة بعملها ونجاحها للحديث عن تجاربهم وإيصالها للمجتمع" .

الفشل قرار ذاتي

الموازنة بين العمل والأسرة والدور الاجتماعي أساس نجاح المرأة في عملها مهما كانت طبيعته، في هذا الجانب قالت التميمي" عائلتي أهم ما في حياتي، وأحرص دائماً على قضاء الوقت معهم والتواجد في المنزل أطول فترة ممكنة لأهتم بشؤون عائلتي، فالتواصل مع الأبناء وتزويدهم بالرعاية اللازمة أمر مهم جداً للوقوف على احتياجاتهم، فالتربية الجيدة لأبنائي أولوية أحرص على تحقيقها على أكمل وجه، والوقت الذي أقضيه معهم أفضِّله على أي عملٍ آخر".

وقبل أن ننهي لقائنا مع المهندسة حنين التميمي ونتركها لمتابعة أمور المركز، طلبنا منها توجيه نصيحةٍ لكل سيدة تنوي دخول مجال العمل والاقتصاد، فقالت " أن لا شيء مستحيل، ضعي أهدافك وحققيها خطوة خطوة ولا تجعلي أي صعوبات توقف أحلامك على كل سيدة أن تمتلك الجرأة والصبر والمثابرة وعدم الاستسلام بوجه الصعوبات والعثرات ، فلن يخلو الأمر من الصعود والنزول وأحياناً الفشل ، ولكن سر الاستمرار يكمن في النهوض بعد التعثر وعدم الاستسلام. المرأة العربية تملك ما يكفي من قدرات وطاقات تمكنها من النجاح وبشكل مبهر، وقضية النجاح أو الفشل هي بالأساس قضية قرار ذاتي من الدرجة الأولى".