بق موسى ابو مرزوق البحصة أخيراً، وأعلن انه مع خيار "الفيدرالية" بين جناحي الوطن. ونفي عضو المكتب السياسي لحركة حماس لما اعلنه، لا يعكس الحقيقة. وتبرير أحدهم من القيادات الإعلامية الحمساوية لما ذكره ابو مرزوق انه "شكل من اشكال السخرية" من موضوع الفيدرالية، ليس سوى التأكيد لما ذكره القائد الحمساوي. والبسطاء والسذج، هم الذين انبروا في إعادة نشر دلالات المفهوم.

كما يعلم ابناء الشعب الفلسطيني، ان هذا الشعب له ميزة عن الكثير من شعوب الأمة العربية والعالم، هي عدم وجود تباينات واختلافات كبيرة في مركباته الدينية، ولا وجود لأية إثنيات في صفوفه، هويته فلسطينية عربية واحدة. لهذا يعتبر الشعب الفلسطيني من اكثر الشعوب وحدة في نسيجه الاجتماعي والوطني، ولم يظهر في مسيرته الطويلة اي اختلاف بين اتباع الديانات السماوية، ولغة التسامح والانسجام كبيرة وعميقة بين أبناء الشعب الفلسطيني. ولولا لوثة الانقلاب الأسود في محافظات الجنوب اواسط عام 2007، لما تعمقت لغة الانقسام والشعور بالغبن في اوساط النخب والقطاعات الاجتماعية فيما بين محافظات الوطن. مع ان هذه الظاهرة موجودة في كل دول وشعوب الأرض، والفلسطينيون ليسوا استثناء.

اما طرح ابو مرزوق لخيار "الفيدرالية"، فهو يعكس اولا الإصرار على رفض المصالحة الوطنية؛ ثانيا التمسك بالإمارة الحمساوية او دويلة غزة على حساب المشروع الوطني؛ ثالثا اللعب على وتر التسويف والمماطلة لكسب الزمن، لعل التغيرات المشتهاة لصالح جماعة الإخوان المسلمين تحصل في أحد البلدان وخاصة مصر، وبالتالي استعادة زمام المبادرة في المشهد السياسي؛ رابعا إثارة موضوعات إشكالية، لإدخال الشعب وقواه السياسية في متاهة التفاصيل، والابتعاد عن العنوان الرئيسي، ألا وهو المصالحة والوحدة الوطنية؛ خامسا اضف لذلك إلقاء بالونات الاختبار لمفاهيم لا تنسجم ولا تتوافق إلا مع خيار الانقسام والانقلاب الحمساوي لرؤية ردود الفعل الوطنية عليها، وبالتالي قياس مدى الاقتراب منها او الابتعاد عنها.

سقطة عضو المكتب السياسي، وأحد أبرز المنافسين على رئاسة المكتب السياسي للحركة الانقلابية هذا العام ليست عفوية او جاءت عن غباء، إنما تم إلقاؤها وفقا لقراءة داخل فريق العمل القيادي لحركة حماس وقبل ذلك مع قيادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، لا سيما انه يشكل المرجعية الفكرية العقائدية والسياسية لحركة حماس. والتراجع عنها لا يعني ان ابو مرزوق لم يطرحها، بل العكس صحيح، والشواهد دامغة عليها. لكنه لم يعتقد وقيادته ان تكون ردة الفعل على خياره بمثل ما شهدته الساحة الفلسطينية.

وكما ذكرت آنفا، الحديث عن خيار الفيدرالية، ليس سوى الوجه الآخر عن التمسك والتشبث بخيار دويلة غزة القزمية. لأن الفيدرالية تعني الاتحاد بين دولتين او اكثر في واقع جيوبولتيكي، له حكومة مركزية ودستور واحد ومؤسسات أمنية فيدرالية، لكن لكل دولة حكومتها واجهزتها وانظمتها الخاصة بها، وهو ما يعني التمهيد لمواصلة اختطاف محافظات الجنوب تحت يافطة "الفيدرالية". وهي شكل من اشكال الإلهاء للجماهير الشعبية الفلسطينية المنادية بطي صفحة الانقلاب الحمساوي الأسود، وتدريجيا تثبيت دويلة الإمارة الحمساوية في غزة. وبالتالي يفترض بالقوى الوطنية بمختلف مكوناتها مطاردة وملاحقة ابو مرزوق ومن لف لفه في هكذا طروحات، لأنها تتناقض مع وحدة النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي الفلسطيني، وتهدد المشروع الوطني وقضية الشعب والعرب المركزية، وتحمل ارتدادات عميقة الخطورة على مستقبل الأهداف الوطنية. وتمهد الطريق لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية لمواصلة الاستيطان الاستعماري وفصل المحافظات الشمالية عن بعضها البعض، والدعوة لإقامة دويلات او إمارات كرتونية يضمها "اتحاد فيدرالي"، كما يريد ابو مرزوق، وبالتالي ما طرحه عن الفيدرالية ليس بعيدا عن المشروع الأخطر في تمزيق وحدة الأرض والشعب والقضية. لذا وجب التصدي وفضح وتعرية حركة حماس وابو مرزوق وكل من يتبنى خيار تمزيق وحدة الشعب والارض الفلسطينية.