غادرنا إلى أرض الوطن، الوطن الواقع تحت الاحتلال، إلاَّ أننا شعرنا بالاعتزاز، وقد رأينا شعبنا هناك يتجذَّر في أرضه إيماناً واصراراً، وثقة بالنصر. صحيح أن هناك مستعمرات، وهناك مستعمرون، فالمؤامرة بدأت قبل النكبة، في العام 1917، وشعبنا اليوم يقف وحيداً بوجه هذا التحالف الاستعماري الصهيوني، والأمةُ منشغلةٌ بهمومها، والبحث عن تحالفات جديدة تضمن أمنها.

منذ دخلنا أرض الوطن شعرنا بالقوة والكبرياء فقد شاهدنا قوات الأمن الوطني يحرسون الأرض، ويسهرون على المداخل، والمخارج، وهم على أهبة الاستعداد، وعيونهم تقدحُ شرراً، وعندما نصل إليهم يعانقوننا، ويصافحوننا، ويرحبون بنا. ونحن قادمون من أريحا رأينا أبناء شعبنا منغمسين في قطف الثمار، وعلى الطرف الآخر مضاربُ أهلنا من البدو الذين يسكنون الخيام، ويرفضون النزوح عنها رغم التنكيل بهم وبمواشيهم.

هو وطنٌ تحت الاحتلال، يحتفظ بعنوانه وشموخه، يتأهَّب لمعانقة الاستقلال بعد كسر الاحتلال. الوطنُ جميلٌ بناسه، وحُماته، وأشجاره، وُمدنه، وقراه.

عُقد المؤتمر السابع رغم التعقيدات، والعراقيل، و رغم التآمر على مستقبل هذه الحركة الرائدة من أجل تعطيل مسيرة العمل الوطني. وعندما افتتح المؤتمر رسمياً في 29\11\2016 بحضور الغالبية الساحقة من العدد المحدد أدركنا جميعاً أن المؤامرة فشلت، وان الشمل التأم . وأنَّ أبناء الفتح هم اليوم على المحك بعد أن نجح الرئيس ابو مازن في تهيئة الظروف التي سمحت للجميع بالوصول إلى رام الله حيث قاعة الشهيد احمد الشقيري بجوار ضريح الرئيس ياسر عرفات.

إلى جانب أعضاء المؤتمر كان هناك ما يزيد على ثمانية وعشرين وفداً دولياً، أغلبيتهم استفاضَ في الكلمات المعبِّرة التي أُلقيت في الجلسة الافتتاحية، وكانت في مضامينها تقدم رسالة وفاء وتقدير لحركة "فتح" صاحبة التاريخ العريق في الكفاح الوطني، والوقوف إلى جانب حركات التحرير في العالم. وهذا ما جعل هذا المؤتمر الحركي يأخذ أبعاداً دولية من حيث الاهتمام والتقييم.

خلال الاستراحات بين جلسات المؤتمر كان عليك كعضو أن تصافح وتعانق المئات من الأعضاء الذين تعرفهم، أو تعرف مجرد صورهم عبر الوسائل الإعلامية، والحوارات تملأ كافة الزوايا، وكلها تدور حول المؤتمر، ومستقبل الحركة، والقاسم المشترك بين كافة الاعضاء أن حركة "فتح" نجحت بنجاح إنعقاد المؤتمر، ولكن يبقى على قيادات وقواعد هذه الحركة أن تكون منسجمة ومتوافقة في تطبيق القرارات التي صدرت عن المؤتمر، وأن يمارس أصحاب القرار وفي كافة الأطر الرغبة الصادقة في نبذ الخلافات، ونزع الاحقاد من الصدور، والعمل على تصويب وتمتين العلاقات الداخلية، والسهر على البنية الحركية وخاصة التنظيمية نظراً لأهميتها في ضمان سلامة المسيرة الحركية.

اكتملت الصورة الأجمل للوطن قبل المغادرة عندما تمَّت دعوتنا من مختلف أمناء سر الاقاليم في الضفة الغربية لزيارة المحافظات والأقاليم. لبَّينا الدعوة كلُّنا، حللنا ضيوفاً عند أهلٍ لنا هم أبناء الوطن الواقع تحت الاحتلال، وجدنا في هؤلاء الرموز، وفي الشبيبة والاخوات، وفي الجهات الامنية المعنية بتأمين الحماية الانتماءَ الحقيقي لفلسطين. رأينا أُسوداً أشاوس كبارهم ينضحون أصالة وطنية، وصغارهم في عيونهم ينابيع التمرد، وتدفُّق النقمة على الاحتلال، وشبابهم يسألون عن لبنان ارض الشهامة لأن اقاربهم استشهدوا على أرضه، أو أمضوا سنواتٍ بين المواقع والمخيمات. أمّا نساؤهم فتقرأ في عيونهنَّ الحنين لمعرفة الأقارب والأصدقاء، والاحباء.

توقفنا مطولاً أمام أضرحة الشهداء العراقيين الذين سقطوا دفاعاً عن جنين العام 1948، رحمهم الله، ورحم تلك الأيام الخوالي، ويا ليت العالم العربي يقرأ مجدداً أمجاد أبنائه الذين رفضوا إلاَّ أن يدافعوا عن تراث فلسطين.

لقد توقفنا مدةً أطول أمام أضرحة شهداء معركة مخيم جنين البطولة والصمود، هذا المخيم الذي قاتل جيش الاحتلال الصهيوني بقيادة ضابط الأمن الوطني أبو جندلة، والشهيد محمود الطوالبي من حركة الجهاد الاسلامي، وغيرهم من القادة. ثم انتقلنا إلى مقبرة ثالثة في جنين، وقد ضمَّت رفات الشهداء الذين قاتلوا جيش الاحتلال من خارج المخيم، والاسماء تشير إلى أن عدداً وفيراً منهم من كتائب شهداء الاقصى. رحم الله الشهداء، وأعاننا على حمل أماناتهم التي تركوها لنا.

كل ما في فلسطين كان جميلاً يهتف لفتح لأنها إنتصرت، وانتصر شعب فلسطين معها، وحركة فتح هي صانعة الانتصارات، فهل ستكون على مستوى القرارات، والمخرجات، والخلاصات؟

 

الحاج رفعت شناعة

 أمين سر إقليم لبنان