كانت البيئة مهيئه لانطلاق مبادرة فلسطينية ما، حيث أن جو الانتفاضة الأولى قد شكل مناخا فلسطينيا ايجابيا عكس ذاته في مضامين المبادرة، لاسيما وإن هذه الانتفاضة عام 1987 قد جاءت ردا على تكرار ممارسات الاحتلال واسعة النطاق، وردا على الحصار العربي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتدوينا لصفحة جديدة في التاريخ الفلسطيني المليء بالمبادرات والانتفاضات والثورات.

لقد ساهد المناخ الايجابي الذي نشره العمل المقاوم أن تتقدم القيادة الفلسطينية بمبادرة اعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر عام 1988 ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم استمرت حلقات الفعل السياسي والدبلوماسي، ولم تتوقف كما لم يتوقف معها عناق الارادة والمقاومة.

في العام 1988 اعترف بدولة فلسطين 105 دولة، وفي اطار تواصل الضغط لانتزاع البراءة والاعتراف (عملت الحركة الصهيونية على انتزاع البراءة والاعتراف بدءا من اعلان بلفور عام 1917 حتى اعلان الدولة عام 1948) وهو النهج الذي سار عليه ياسر عرفات وتبعه محمود عباس ما أثمر بعد 28 عاما أن اعترفت 138 دولة بدولة فلسطين عضوا مراقبا في الامم المتحدة عام 2012.

لم يتخلى الاسرائيلي عن غطرسة القوة لأنه يدوس على الاخلاق والضمير والعدالة لقضية ليس في التاريخ الحديث أكثر عدالة منها، لذا وجب مخاطبة خلق وضمير العالم (وادواته الضاغطة والقانونية) ما لا يعني أبدا التخلي عن عوامل القوة الذاتية ونتاج الميدان.

إن انفتاح البوابة العريضة للمستقبل قد كبرت منذ زمن، ومع تعرج الدروب وشوكيتها عدنا لأصل القضية ما نجده في النظر ببعض مضامين (اعلان الاستقلال) وفي خطاب الرئيس أبو مازن في الامم المتحدة عام 2016، ما يمثل إعادة تاكيد وتثبيت الحق بلا تردد.

لقد أكد الاعلان على كشف التزييف التاريخي الاسرائيلي من خلال : (تعميم أكذوبة أن (فلسطين هي أرض بلا شعب)) قائلا بالإعلان (وعلى الرغم من هذا التزييف التاريخي فإن المجتمع الدولي في المادة 22 من ميثاق عصبة الامم لعام 1919 وفي معاهدة لوزان لعام 1923 قد اعترف بان الشعب الفلسطيني شأنه شان الشعوب العربية الأخرى التي انسلخت عن الدولة العثمانية هو شعب حر مستقل).

وقال الرئيس أبو مازن عام 2016 : (لقد مضى مئة عام على صدور وعد بلفور المشئوم الذي أعطى بموجبه البريطانيون دون وجه حق أرض فلسطين لغير شعبها مؤسسين بذلك لنكبة الشعب الفلسطيني بفقدانه لأرضه ...) لذلك طالب بريطانيا ان تتحمل المسؤولية التاريخية والسياسية والمادية والقانونية والمعنوية لنتائج هذا الوعد بل و (تصحيح هذه الكارثة التاريخية ...) معرجا على انتهاك (اسرائيل) أصلا لقرار التقسيم عام 1947 في سعي دءوب لإسقاط ادعاء الحق الاسرائيلي الذي ابتدأ حسب (اعلان استقلالهم) بوعد بلفور.

ونرى تواصل حلقات النضال السياسي الفلسطيني مع اعلان الاستقلال، وخطابات وتحركات القيادة السياسية، وخطابات الرئيس حتى عام 2016 حيث أكد اعلان الاستقلال على (الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وحرمانه من حق تقرير المصير اثر قرار الجمعية العام رقم 181 عام 1947 ... ) وهو ذات ما أعاد اثارته الرئيس بخطابه ومؤشرا للتناقض الاسرائيلي والغطرسة المستمرة من القوة الاحتلالية الغاشمة رغم 12 قرار ضد الاستيطان، وفي اطار تأكيد اعلان الاستقلال كما يذكر- على (التراكم الثوري النضالي لكل مواقع الثورة يبلغ الزمن الفلسطيني احدى لحظات الانعطاف التاريخي الحادة وليؤكد الشعب العربي الفلسطيني مرة اخرى حقوقه الثابتة وممارساتها فوق أرضه الفلسطينية ) وهو ذاته ما التزم به أبو مازن وأعاد تأكيده بالقول (فأيدينا لا زالت ممدودة لصنع السلام ، ولكل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : هل يوجد في قيادة "اسرائيل" القوة القائمة بالاحتلال من يريد أن يقيم سلاما حقيقيا يتخلى فيه عن عقلية الهيمنة والتوسع والاستيطان بالذهاب نحو الاعتراف بحقوق شعبنا ورفع الظلم التاريخي الذي وقع عليه).

إن ما حاولت أن ارسمه بعقد مقارنة بسيطة بين (اعلان الاستقلال) وتواصل الفعل النضالي الفلسطيني القول أن البوصلة ما زالت لم تغير الاتجاه ونحن في ذات الدرب ســـــــــــــــــــــــــــــــــــائرون.