للرباط، عاصمة المملكة المغربية، شغف هندسة جمالية، فريدة من نوعها، هندسة محمولة على مخيلة، هي أقرب ما تكون إلى مخيلة متصوف، قد رأى في لحظة مجاهدة، ومحبة، وبذلك "النور الذي يقذف إلى القلب" الذي أصاب الغزالي، فأدرك المعرفة والهدى، قد رأى هذا المتصوف الرباطي، بتلك المجاهدة، وذاك النور، بعضًا من  تفاصيل جنة الرحمن، في أخضر الطبيعة، وهو يمتد عشبًا، ويعلو شجرًا، حتى يغدو المكان كله حديقة، تداعب حجر البنايات، بحفيف أشجارها، وتجعل من شوارع الأسفلت، بسطوة حضورها، كمثل جداول، تسيل بمركبات، تسعى نحو مواعيد المدينة ومشاغلها، فيما الأطلسيّ وبشغب المحب يريد منافسة للأخضر بالأزرق المحيطي، لكن دون جدوى.

الرباط قال الموحدون إنها "معقل النصر"، وأنا أقول اليوم كلما نظرت إليها، بأنها معقل الأخضر، بنجمته تتوسط بساطها الأحمر، راية تدل على مملكة أصيلة، مملكة لا تخطئ صواب الرؤية والموقف، لا الوطني، ولا القومي، ولا الإنساني، خاصة وهي تعلن بلا توقف ولا تردد، أن فلسطين فلسطينها، لا حكاية عشق فحسب، بل علاقة تاريخيّة أولاً، لها في القدس بيوت ومقامات، ولهذا أدركت الرباط بأنها "رباط الفتح" بالصيغة المحمولة على المعنى الإسلامي لكلمة الرباط، حيث الثبات على الحق، والدفاع عنه.

وأخضر الرباط، هو أخضر الناس هنا، يتجلى بجماليات المحبة، وفصاحة لغة العيون التي تبرق كلما جاءت سيرة فلسطين، كما أنه أخضر الطيبة، والمذاقات الحميمة، للابتسامة هنا طعم الوردة، وللقهوة طعم الصبيحة، وقد تفتحت بعافية السكينة، الرباط ليست مدينة، بل هي الحاضرة بتاريخ الحاضرة، منذ أن كلمها المرابطون أول مرة لتكون حصنًا منيعًا، وهكذا كانت، وهكذا صارت، وهكذا ستبقى، وللمنعة والمناعة، بنيتها، وناسها، وشؤونها، ولغتها التي لا لغو فيها.