المقال ليس بصدد تقييم تجربة "طوفان الأقصى"، فالوقائع على الأرض تتحدث عن نفسها، بعد أن تحول مع الأسف إلى طوفان إسرائيلي على عموم المنطقة، تحول إلى مأساة رهيبة على الشعب الفلسطيني بعد أن قاد وسمح لإسرائيل بأن تدمر قطاع غزة عن بكرة أبيه، وأن تدمر الجزء الأكبر من مقدرات الشعب الفلسطيني، والأهم اسستشهاد أكثر من أربعين ألف مواطن في غزة والضفة، وأكثر من مئة ألف جريح. وها هو "الطوفان" ينتقل إلى لبنان، على شكل حرب عدوانية إسرائيلية دموية ومدمرة، بالإضافة، إلى القصف الإسرائيلي المتواصل على سوريا واليمن، والتهديد بضرب إيران، وأي منطقة في الشرق الأوسط.
ونعود لحماس، فمن التجربة ليس هناك أمل في أن تقوم بعملية تقييم لكل ما جرى من عين وطنية فلسطينية، وليس من خلال عين الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين ومصالحهم، فهذه الحركة الإخوانية قررت منذ البداية وتصرفت بأنها البديل، وليس الشريك لمنظمة التحرير الفلسطينية، لذلك هي لم تكن ظاهرة انشقاقية وحسب في الساحة الفلسطينية، وإنما ماكينة لإضعاف المنظمة، وإضعاف الشرعية الوطنية الفلسطينية. لذلك ليس هناك من أمل أن تقوم حماس بتغيير جلدها ودورها وبالتالي لن نرى لا نقدًا ذاتيًا ولا تقييمًا لتجربة "الطوفان" التي لم تجلب للشعب الفلسطيني والمنطقة سوى الدمار، والأهم أنها أعطت لإسرائيل الفرصة لإحكام سيطرتها على الشرق الأوسط.
واليوم فإن أمام حماس ثلاثة خيارات: إما أن تواصل نهجها السابق وتواصل التصرف بأنها بديل لمنظمة التحرير، أو بديل موازٍ لها، وهو خيار ثبت أنه مدمر ومخرب بكل المقاييس للقضية الفلسطينية، وأن تواصل استخدام هذه القضية لمصلحة الجماعة وحلفائها الإقليميين.
أما الخيار الثاني فهو أن تسلك حماس كما تسلك الفصائل الوطنية الفلسطينية، وتنضوي في إطار منظمة التحرير وأن تكون لها مكانتها، والمعروف أن تعددية المنظمة تسمح لحماس أن تعبر عن مواقفها وأن تعمل بين الجماهير بحرية، ولكن وفق الاستراتيجية التي تعمل على أساسها المنظمة، بمعنى أن الدخول للمنظمة لا يعطي لحماس الحق بأن تأخذ قرارات استراتيجية منفردة.
أما الخيار الثالث فهو أن تعود حماس إلى ما كانت عليه قبل تأسيسها عام 1988، أي أن تذوب ضمن جماعة "الإخوان المسلمين" وتعمل في العمل الدعوي والخيري، ولم يكن في برنامجها لا مقاومة احتلال ولا حتى مواجهته، والابتعاد عن المساهمة بالنضال الوطني الفلسطيني بشكليه الشعبي السلمي، والعسكري في مواجهة جيش الاحتلال.
وللتذكير، فقد كانت الجماعة على العكس من ذلك، كانت في حالة مواجهة مع القوى الوطنية وكوادرها، وفي غزة، على سبيل المثال، يمكن التذكير بأنهم هم من أحرق مكتبة الهلال الأحمر الفلسطيني، وأحرقوا دور السينما والمسارح وكل مظهر وطني وحضاري وثقافي، إلا أنهم وحتى عام 1988 لم يقاوموا الاحتلال بأي شكل من أشكال المقاومة، بل إن سلطة الاحتلال كانت تمنح جمعياتهم تراخيص للعمل العلني، كما لم تبدأ حماس بعملياتها العسكرية إلا بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو؟.
بالتأكيد لا أحد يريد أن تلجأ حماس للخيار الثالث، ولكن ليس من المقبول أن تواصل حماس تقديم نفسها كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو كبديل مواز، وأمام حماس خيارًا وحيدًا مقبولاً وطنيًا أن تكون جزءًا من الحالة الوطنية، وأن تكون أولوياتها فقط هي الشعب الفلسطيني وفلسطين وليس ارتباطها بالجماعة أو أي طرف إقليمي آخر. والأهم من ذلك أن تقر حماس بوضوح أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأنها لا تعمل في مواجهتها بل في إطارها.
والشيء الذي لا يمكن القبول به، هو أن تعطي حماس لنفسها الحق باتخاذ قرار باسم الشعب الفلسطيني، أو أن تقوم بأي مغامرة غير محسوبة، وأن تلتزم بالقانون ووحدانية السلطة الفلسطينية، وإن عدم السير ضمن هذا الواقع، سيعني إصرار حماس على النهج ذاته، نهج الانقسام، وهو ما يجب مجابهته وطنيًا.
بالمقابل، وبعد كل ما جرى، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية عليها أن تأخذ زمام المبادرة، إذا ما أرادت المحافظة على الكيانية الوطنية، وتحافظ وتحمي فكرة الدولة الفلسطينية وما تبقى من المشروع الوطني، وأن تحافظ على الاعتراف الدولي بالدولة، لذا عليها أن تقوم ودون أي حرج بانتزاع زمام المبادرة عبر الحوار والحزم في آن معًا، بأن هناك سلطة واحدة وقانونًا واحدًا وسلاحًا واحدًا، وأن تعتبر هذه المسائل خطًا أحمرًا وطنيًا، من غير المسموح لأي فصيل خرقه والعمل خارج هذه القاعدة، والالتزام بشكل المقاومة التي يتم الاتفاق بشأنها وطنيًا. وبموازاة ذلك أن تتحمل حركة "فتح" والفصائل الوطنية العمل على تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، وتعميق الوعي، ليكون بمقدور الإنسان الفلسطيني التمييز بين ما يضر بمصالحه وما يعزز هذه المصالح، وألا يترك فريسة للدعاية الفارغة من أي طرف كان.
لذلك ليس المطلوب من حماس فقط أن تقيم تجربتها، وإنما أيضًا منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية هذا إذا كان مشروعنا إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
لقد ثبت أن ترك الفوضى وغياب حكم القانون هو الفضاء الذي يعبر من خلاله الجميع للتدخل في شؤوننا الداخلية، هو الوصفة للقضاء على ما تبقى من أمل في تحقيق هدف الدولة، وهو خدمة للمشروع الصهيوني التوسعي من دون شك.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها