يحتفل الشعب العربي الفلسطيني اليوم بذكرى إعلان الإستقلال في المجلس الوطني عام 1988، الذي عقد بالجزائر. 28 عاما مرت على الإعلان ولم يتحقق حلم الدولة. وكأن بالمرء يتوقف امام ما قاله الشاعر الفلسطيني الكبيرة محمود درويش "ما أكبر الفكرة وما أصغر الدولة"، وهو من صاغ وثيقة إعلان الإستقلال البهية والعميقة بدلالاتها السياسية والقيمية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وعلى الرغم من صغر حجم الدولة ال22% من مساحة فلسطين التاريخية، الذي تقزم إلى نصف ما جاء في قرار التقسيم الدولي 181، الذي رغم غبنه ومجافاته للتاريخ والجغرافيا والحقائق أعطى الدولة الفلسطينية مساحة 42,88% في حين أعطى إسرائيل الإستعمارية آنذاك 56,74%، لم يعمل العالم على ولادة الدولة الفلسطينية، مع انه أوجد الدولة الإسرائيلية وقدم لها كل مقومات البقاء والتطور.

وإرتباطا بالذكرى من الزاوية غير الإيجابية، صادقت أول أمس اللجنة الوزارية القانونية وفيها سبعة وزراء من الإئتلاف اليميني الإسرائيلي الحاكم على "تشريع" البؤر الاستيطانية الاستعمارية. وكأن لسان حال حكومة نتنياهو، يؤكد للفلسطينيين ويرد على تفاؤل الرئيس محمود عباس، مهندس خيار السلام: " لا تحلموا بنشوء دولة فلسطينية بين البحر والنهر إلآ بالإسم"، دولة شكلية وهمية، لا تتعدى حكم ذاتي لإدارة شؤون السكان، لا علاقة لسلطته المحدودة ب"الأرض". وجاء الرد الإسرائيلي مباشرا وبعد ايام قليلة من خطاب الرئيس عباس  بمناسبة إحياء الذكرى الثانية عشر لإغتيال الشهيد الرمز ياسر عرفات يوم الخميس الماضي في العاشر من نوفمبر الحالي، عندما أعلن "أن الدولة الفلسطينية ستقوم في عام 2017".

لكل طرف محدداته ورؤاه في ما سيؤول إليه المستقبل، بغض النظر عن العدالة من عدمها. إسرائيل في ضوء المعطيات الذاتية والموضوعية، التي تعيشها، تجد ان الوقائع تميل لكفتها، وترجح خيارها الإستيطاني الإستعماري بشطب خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ورفض اي عودة للفلسطينيين لوطنهم الأم تحت أي مسوغ قانوني اممي او غير اممي. والقيادة الفلسطينية، رغم إدراكها لصعوبة واقع الحال الفلسطيني والعربي، والتراجع الموضوعي في مكانة القضية نتيجة التشظي في الحالة العربية الرسمية وداخل حدود كل دولة، غير انها تعتقد ان مشروع الدولة الفلسطينية سيرى النور بعد خمسين عاما على هزيمة حزيران، لان الاقطاب الدولية والامم المتحدة، باتت ترى بضرورة ولادتها مع إعادة التقسيم الجديد لدول الوطن العربي. ولعل السعي الفرنسي الحثيث لعقد مؤتمر باريس الدولي قبل نهاية العام، رغم رفض إسرائيل للمبادرة الفرنسية والمشاركة بأي مؤتمر ذات صلة بها، يمثل بالنسبة للقيادة بصيص أمل إضافي للمضي قدما نحو تبلور خيار الدولتين على حدود ال67.

مع ذلك يعتقد المرء، أن كل السيناريوهات واردة. ولا يجوز للقيادة الفلسطينية ان ترهن تقديراتها وحلمها بالخلاص من الإحتلال الإسرائيلي على تقديرات بعض الاقطاب الدولية، على اهمية تلك التقديرات، لان العالم والوطن العربي يمر بتغيرات دراماتيكية جديدة، ولها عميق الأثر على مستقبل دول وشعوب الأمة العربية والإقليم عموما. بالتالي لا يكفي الرهان على  العامل الدولي على اهميته في مسألة وجود او عدم وجود الدولة الفلسطينية. وكي تكون تفترض الضرورة الوطنية ترتيب شؤون البيت الفلسطيني، كما يجب، ولا يقتصر الأمر عند حدود عقد المؤتمر السابع لحركة فتح،على أهميته، بل هناك المجلس الوطني وتجديد الشرعية في منظمة التحرير، والأهم الرؤية البرنامجية السياسية والكفاحية للمواجهة تحديات المرحلة القادمة، بإلإضافة للمصالحة وإعادة الإعتبار لوحدة شطري الوطن تحت راية الشرعية الوطنية والنظام السياسي الفلسطيني الواحد الموحد، والتكامل مع الأشقاء العرب ومع المنظمات القارية والأممية لتعزيز المكانة الاممية لفلسطين في المنابر المختلفة، والعمل على إنتزاع قرارات دولية جديدة تؤكد المؤكد في رفض الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، وتضع جدولا زمنيا لإنهاء الإحتلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية.

خمسون عاماً من الإحتلال الإسرائيلي منذ 1967، وسبعون عاما على النكبة وقرار التقسيم الدولي 1947، تقول كفى للإحتلال الإستعماري الإقتلاعي الإحلالي الإسرائيلي، وآن الآوان لإقامة الدولة الفلسطينية. فهل يكون عام 2017 عام الدولة الفلسطينية. كل الإحتمالات واردة، لكن دون إفراط في حدود التفاؤل.