هل توكأ وزير الخارجية ألأميركية جون كيري على القرار الأوروبي فتوكل ومدد وجوده في المنطقة ليقنع القيادة الفلسطينية بأن ملامح الاسس المطلوبة لإطلاق عملية السلام قد بدأت تتبلور، أم ان الاسرائيليين استشعروا جدية الموقف الأوروبي وابدوا ليونة محدودة يمكن ان تشكل مخرجا للإدارة الأميركية، بدل السقوط من أعلى جدار العناد الاسرائيلي الى هاوية المنطقة الملتهبة بصراعات طائفية ومذهبية وقومية وسياسية عنفية ؟!

 

ان يتغير مؤشر بوصلة طاولة المفاوضات بين ليلة وضحاها ليس مرتبطا بالكتمان او ابقاء الأمور في «بقجة الكبار» « كما أراد كيري، ونعتقد أن «ساعة الصمت» التي تسبق انطلاق المعارك الميدانية التي رغبت الادارة ألأميركية التزام الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بها ليست هي السبب المباشر للتحول ( المجهول ) الذي بشرنا به جون كيري، وان كنا نعتقد يقينا أن موقف القيادة الفلسطينية الثابت كان الخط الفاصل وكان بمثابة اليقين لدى كيري انه لن يستطيع انجاز نجاح يرضي الاسرائيليين على حساب الفلسطينيين، فالموقف والقرار الفلسطيني بعد اجتماع الرئيس الفلسطيني ابو مازن مع اللجنة المركزية لحركة فتح اتبعه اجتماع مع القيادة الفلسطينية كان بمثابة « مخاض صامت « سبق ولادة القرار الأوروبي باعتبار المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة منذ الخامس من حزيران عام 1967 غير شرعية، ويُلزم القرار كافة الدول الــ (38) الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعدم تمويل أو التعاون أو تقديم المنح الدراسية أو منح أبحاث لأي أطراف إسرائيلية في المستوطنات المقامة في مناطق الضفة والقدس الشرقية، كما يلزم القرار بأن يتضمن أي اتفاق مستقبلي مع إسرائيل، بنداً ينص على أن المستوطنات ليست جزءاً من دولة إسرائيل, ولذلك فهي خارج الاتفاق».

 

جاء القرار الأوروبي انتصارا جديدا للقانون الدولي، ولنضال الشعب الفلسطيني، ولحكمة وصبر وصمود القيادة الفلسطينية على ثوابت الشعب الفلسطيني، فهذا القرار يؤشر بوضوح الى أن المستوطنات التي أنشأتها اسرائيل في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلتين، غير شرعية، وهذا لأنها اقيمت على أراضي دولة فلسطين التي صوتت بعض دول الاتحاد الى جانب قرار الأمم المتحدة برفع مكانتها الى دولة بصفة مراقب على اساس حدود الرابع من حزيران من العام 1967 فيما امتنعت دول اخرى في ذات الاتحاد عن التصويت، لهذا السبب نتفهم صيغة القرار الأوروبي الذي لم ينص صراحة على ان سبب مقاطعة المستوطنات الاسرائيلية هو انعدام شرعية بنائها على أراضي دولة فلسطين المحتلة المعترف بحدودها في قرار الأمم المتحدة.. لكنه في كل الأحوال قرار اوروبي جريء، يمكننا ايضا كفلسطينيين من الارتكاز عليه في عملية تعزيز اوراقنا التفاوضية فالحكومة الاسرائيلية تترنح من مفاعيل القرار الاوروبية على المركز العصبي للائتلاف الحكومي في اسرائيل، وبدأ زبد التهديدات بالانسحاب من الحكومة يغرق الساحة السياسية باسرائيل اذا استجاب نتنياهو لأسس مرجعية اطلاق عملية السلام من جديد على اساس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران رغم بقاء معالم هذه الأسس التي اعلن كيري اتفاق الطرفين عليها طي الكتمان حتى الساعة على الأقل.. وحصر الكلام عن المفاوضات بثلاثة رموز يمثلون الاقطاب الثلاثة: ليفني اسرائيل، عريقات فلسطين، وكيري الولايات المتحدة الأميركية، ما يعني ان الادارة الأميركية حريصة على اطلاق عملية السلام بأقل اصابات وخسائر قد تصاب بها ان تم تعريضها لوسائل الاعلام ولكثرة التخمينات والتحليلات وهذا ينسجم مع شخصية ومفهوم كيري في العمل الدبلوماسي، أو مواراة فشل تتوقعه الادارة ألأميركية بسبب عناد اسرائيل التي قد تذهب الى انتخابات جديدة اذا اقتنع نتنياهو أن القرار الأوروبي هو الكارت الاصفر قبل يسبق الكارت الأحمر ألأميركي اذا امعن في معارضة توجه الادارة الأميركية بتحقيق انجاز ما في الشرق الوسط بعد جملة الانتكاسات في سياستها بالمنطقة وآخرها حساباتها الخاطئة حول حكم الاخوان بمصر، ومن قبلها الضربة التي تلقتها في ليبيا، واستمرار الفوضى الدموية في العراق بعد انسحابها، وانتقال الارهاب من قاعدة الى اخرى تحت سمع وبصر الادارة ألأميركية ليصبح مجاورا لقواعد المارينز الأميركي والقوات الدولية في سيناء بمصر !!

 

قد لا تتحقق جميع الشروط الفلسطينية لإطلاق عملية السلام من جديد، ولا يجوز اغفال الوقائع والظروف الدولية، وتحديدا المتغيرات بالمحيط العربي، وفي خضم هذه المعادلة الصعبة ليس أمام القيادة الفلسطينية إلا التحلي بسمات وصفات وخصائص معدن الذهب، تتمتع بمرونة عالية، تتمدد نحو الشعب عند تعرضها للطرق، وتلمع عاكسة اشعاع حقوق الشعب الفلسطيني الطبيعية والتاريخية، فالسياسة لا تعني اعلان المواقف فقط، وإنما قراءة مخلصة للوقائع والإمكانيات وتحديد برامج العمل لتحقيق ما يمكن من الأهداف التكتيكية والإستراتيجية. فالقيادة التاريخية هي التي ترى الفرص المتاحة في التسلسل الزمني للوقائع، وتوظفها لصنع حدث تاريخي جديد.. حتى لايبقى الندم سمة لصيقة بامتنا وشعوبنا كما كان على مر خمسين عاما عشناها بالمرار إلا من بعض حلاوة انتصارات هنا وهناك.