باركنا كما بارك جميع المؤمنين بالفكر الديمقراطي سقوط الانقلاب في تركيا وأشرنا لمنجزات حزب العدالة والتنمية الاقتصادية المشهودة ، ومع الاجماع التركي على تكريس الثلاثية التركية (العلمانية والديمقراطية والأوروبية) فإن نزول الجماهير بالشوارع دعما لعلم تركيا ورفض أحزاب المعارضة التركية (حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري) للانقلاب بقوة رغم معارضتهم للرئيس أردوغان وسياساته يدلل على وعى وطني شعبي كبير ويدلل على تغلل (الوطنية التركية) والثقافة الديمقراطية التعددية التي نفتقدها في كثير من محيطنا العربي... ولكن.
إن ما حصل من انقلاب فاشل قابله انقلاب أردوغان الناجح ضد معارضيه اذ قام كما أصبح معلوما بعملية (تصفية وتطهير) (50 ألف بالحد الادنى مدني) لمن أدعى انهم الانقلابيين لمجرد الانتماء أو الشك (او الاشتباه) لجماعة الفكر الاسلامي المستنير فتح الله كولن.
عن رفضنا نهج الانقلاب لا يعني مطلقا الموافقة على الممارسات القمعية أو الاستبدادية ونهج اغتيال الديمقراطية، ولا يعني الموافقة على الظلم ولا يعني أن موقفنا كفلسطينيين مرتبط بالمفاهيم الخيالية التي تفترض قداسة لشخص أوحزب أو فكرة لأن البوصلة هنا هي فقط فلسطين ، وليس لأردوغان إلا بوصلة تركيا وحزبه ما هو أولويته العظمى إضافة لتكديسه الصلاحيات بين يديه في إطار اتجاهه نحو الاستبدادية.
لا نحبذ الخوض بفكر المؤامرة سواء من المؤيدين أو المعارضين للنظام التركي فكلاهما يستخدم نفس المعطيات ليؤيد رأيه بأنه انقلاب من أردوغان أو انقلاب على أردوغان ، ولكن في جميع الأحوال فإن الواضح حتى للأعمى أن ما يقوم به أردوغان هو الانقلاب الحقيقي اذ استغل الظرف – بغض النظر كيف حصل – ليصفي حساباته مع الشركاء السابقين بكل برود.
بلا شك أن أردوغان قد تأذى كثيرا من حملة جماعة المفكر الاسلامي فتح الله كولن ضد الفساد المستشري في حكومته منذ العام 2013، وكان المراقبون قد اعتبروا هذه الازمة أخطر أزمة يتعرض لها، ولا شك أن التمدد الكبير للحليف الاسلامي السابق لم يعد يشكل لدى أردوغان الا خطرا على سلطته المطلقة وان بثوب ديمقراطي.
حقيقة الأمر في الخلاف الذي أدى حملة التطهير والانقلاب الأردوغاني كما يشير السيد (انس أركنة) قبل عام أنه (ليس سياسي وإنما في الرؤى) ما يعنى عدم امكانية التعايش بين الحليفين – العدويين وما يعني امكانية ترقب أردوغان لفرصة السانحة للبطش بحليفه السابق الذي يتهم بأنه ينشئ (دولة عميقة) في ظل اتهامات المعارضة التركية لحزب أردوغان ذاته أنه هو من جعل حزبه في حقيقة الامر (الدولة العميقة) داخل الدولة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها