خاص مجلة القدس العدد 327 حزيران 2016-
يعيش قطاع غزة الشطر والجناح الثاني للوطن حالة مأساوية كبيرة قد يندر أن نجد مثيلا لها في التاريخ الحديث، فأزماته المتلاحقة لا تزال تتفاقم وتتصاعد وبوتيرة عالية، تجعل الحياة فيه بالنسبة لشعبه حياة لاتطاق بعدما تحول القطاع إلى مايشبه السجن الكبير بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني .
فقبل تسع سنوات أقدمت حركة حماس ومن خلال جهازها العسكري كتائب عز الدين القسام (بني اساساً لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي ) وشرطتها، الخاصة على انقلابها الأسود لتحول القطاع بأكمله إلى ما يشبه المحمية السياسية والأمنية الخاصة، متسلحة بالعديد من الحجج والادعاءات التي تبين أنها كاذبة ومخادعة وبعيدة كل البعد عن الواقع جللتها بشعارات ومقالات انطبق عليها المثل الشعبي (اسمع كلامك يعجبني أرى أفعالك أتعجب) إذ كشفت الممارسات اليومية بأن حركة حماس جعلت من القطاع إلى مايشبه المتصرفية تحت قيادتها دون ان تسمح لأي طرف او فصيل مهما كانت أفكاره السياسية والايديلوجية ومهما كان حجمه على الأرض وقدرته على الفعالية في مواجهة المشروع الصهيوني واحتلاله.
وهذا الانقلاب الذي أدى في النهاية إلى انقسام كارثي بكل ما الحقه ويلحقه، من أذى بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وأصبح يهدد بتفكيك وحدة الشعب ومؤسساته الوطنية التمثيلية الجامعة، بعدما حول هذا الانقسام فلسطين وقضيتها إلى أحد عناوين التجاذب السلبي العربي والإقليمي بين أطراف متعددة يسعى كل منها إلى توظيفها وفقاً لاجنداته الخاصة، بدلا من أن تكون فلسطين هي البوصلة والعنوان الجامع للأمة العربية والإسلامية وأحد القواسم المشتركة القومية والإسلامية والإنسانية.
والأسوأ من ذلك عملت حركة حماس على الانفراد بما تهيمن عليه وتفرض سلطتها عليه دون الاكتراث عما يفرضه الاحتلال الإسرائيلي من تقسيم جغرافي على الشطر الثاني من الوطن في الضفة الغربية ومحافظاتها سواء الشمالية او الجنوبية او بين محافظات الشمال نفسها وبالتالي بين جميع المحافظات مع القدس في الدرجة الأولى. يضاف إليه صراع وجودي مع الاحتلال وممارساته الإرهابية الإجرامية بحق كل الشعب الفلسطيني وهو صراع يجعل منه صراعا تاريخياً شاملاً يعود إلى طبيعة العدو وسياساته العدوانية بحق الأرض والشعب، واستمراره في سياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء منظومة من المعازل التي تحول الضفة بأكملها إلى كانتونات متقطعة الاوصال، يضاف إليها استمرار حصار القطاع والامعان، في السياسات التي تهدف الى إرهاق واستنزاف طاقات الفلسطينيين في قطاع غزة وعزله عن روابطه الجامعة والمشتركة مع الضفة، وعزل الجميع عن الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وغير ذلك من السياسات التي ترمي في النهاية إلى تقويض وحدة الشعب الفلسطيني وتصفية القضية وهو أمر لاشك بأن المستفيد الأول والأخير منه إسرائيل وحدها .
فخلال السنوات التسع الماضية من عمر الانقلاب السلطوي الحمساوي ومنذ ان سيطرت وبشكل فردي على قطاع غزة دأبت الحركة على بناء جهاز حاكم يسيطر حاليا بشكل صارم و قمعي ومن خلال نظام سياسي مجرد من أية آلية للمساءلة والمحاسبة. وهو ما يعني أنها لم تتخل عن تصورها لمفهوم بان السيطرة على القطاع هو خطوة متقدمة لبناء طموحها واستراتيجتها المرسومة سلفاً وهي التي بدأت منذ الأيام الأولى للانقلاب بالتصرف على أنها ((دولة)) قائمة بذاتها بمعزل عن الشطر الآخر من الوطن ولهذا تنكرت لمختلف مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وطالبت بالغاء وجودها وتشكيل بدائل على الرغم بأنها لازالت تحظى باعتراف دولي بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أينما كان في الداخل والخارج، على طريق قناعاته بالتمسك بما لديهم واستبعاد مختلف القوى والفصائل الأخرى خوفاً من سحب البساط من تحت قدميها. وهذه الحالة دفعت بالحركة إلى تسويق نفسها إقليميا ودولياً باعتبارها (سلطة شرعية) يجب التفاوض معها دون سواها ولعل الاتصالات مع الحكومة البريطانية السرية والعلنية والتي استكملت مع الإدارة الأميركية والتي رعت وسوقت في فترة من الفترات لاتفاق يكتفي بقطاع غزة باعتباره الدولة الفلسطينية المنشودة من خلال خطة ((الاتفاق)) على اقتطاع مساحة حوالي 1000 كلم2 من صحراء سيناء لتوسيع القطاع ضمن خطة وصفقة أميركية مصرية اخوانية وبرعاية بريطانية ايام تسلم الاخوان المسلمين زمام السلطة مع الرئيس المخلوع محمود مرسي وهي خطة أنشأتها السلطة الجديدة التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي الخطة التي عرفت آنذاك بخطة المرشد والرئيس و السكرتير والتي كان ثمنها ملايين الدولارات رشوة قبضها الثلاثي الإخواني وهي جاءت متوافقة مع تصاعد نجم حركة حماس لدى حكام الإخوان وبدعم ورعاية وفتوى من مفتيهم العام الشيخ القرضاوي الذي كان من أبرز المتحمسين لهذه الخطة ، قبل ان تعود الحركة وتنقلب من جديد على مصر وجيشها وشعبها وقيادتها الجديدة والذهاب بعيدا في عدائها حتى الاشتراك والتدريب والتسليح للجماعات الإرهابية التي استهدفت المدن المصرية.
وهذا التحول الذي اعتبره غازي حمد وهو أحد أبرز القيادات الحمساوية في قطاع غزة بأنه وضع الحركة في مواجهة مصر بجيشها وشعبها بقوله أنهم إخواننا وعملنا الديمغرافي والوطني وأن من يعتدي او يحرض عليهم ليس مسلماً ولا وطنياً ولا عربياً. معترفا بالوقت نفسه بأن من يحاصر قطاع غزة هم ((نحن)) من خلال رفض تسليم المعابر للسلطة الوطنية وأجهزتها الرسمية .
وهو رفض أيضا ممارسات حركته ما أسماه باللعب الخطير مع العشائر الغزاوية بأن نقوم ((اي حماس)) برفع أعلام داعش بمنطقة عشائر حلس ودغمش، كي نقوم بمحاصرتها وقتل أبنائها المعارضين لنا بحجة أننا نحارب داعش واعتبرها لعبة مكشوفة وخطيرة .
وهذا الكلام الواضح يضاف إلى تكرار حماس لعمليات كم الأفواه وتعطيل تحركات المجتمع المدني حتى لو كانت سلمية فقط لأنها تندد باستمرار الانقسام الفلسطيني والدعوة للمصالحة الوطنية وكذلك ترميم جدار الوحدة الوطنية ، وهذا يعتبر دليلا" واضحا" على انعدام الجدية لدى حركة حماس لتطبيق بنود اتفاقات المصالحة مع حركة فتح ومع باقي الفصائل الأخرى والتي كان ابرزها ما تعرضت له المجموعة التي حضرت للالتئام في مؤتمر شعبي تحت شعار وطني لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية والتي شكلها العديد من الشخصيات والقيادات التي ترى في استمرار الانقسام كارثة وطنية وعلى الرغم من إصدارها وثيقة تعلن فيها أنها ليست بديلا من فصائل العمل الوطني والإسلامي او اي منهما ، كما انه ليس موجهاً ضد قيادة او تنظيم بعينه ، بل هو جهد يستهدف إنهاء الانقسام وهو .مفتوح لكل أبناء الشعب الفلسطيني على اختلاف أطيافه السياسية والفكرية والاجتماعية ، ولهذا جاء تشكيل وتنظيم المؤتمر شاملا" لكل القوى الوطنية والإسلامية بما في ذلك حركة حماس نفسها .وعندما تبلورت فكرة المؤتمر تم التواصل مع حركة حماس وخصوصا الأجهزة الأمنية للحصول على ((الموافقة)) الخطية وهذا ما حصل بالفعل إلا انه وبعد توزيع الدعوات وأوراق العمل فوجئ منظمو المؤتمر بالأمن يبلغلهم بأنهم يسحبون موافقتهم الخطية السابقة وأنهم لن يسمحوا بعقد المؤتمر وسيمنعوه بكل الوسائل بما فيها القوة وهذا ما حصل بالفعل بعد أقدام العناصر المسلحة التابعة لحماس إلى محاصرة مكان المؤتمر ومنعت المشاركين من الوصول إليه كما استخدمت العنف ضد من أصر على حضور المؤتمر الذي اضطر منظموه، لالغائه .
وعلى ضوء ذلك وبعد استعراض غيض من فيض من ممارسات حركة حماس وأجهزتها في قطاع غزة المحاصر والمهدد بكارثة إجتماعية وإنسانية وسياسية كبيرة والتي تكشف حقيقة ممارسات الحركة التي تخاف على ما يبدو من أي تحرك جماهيري وسياسي للشعب الفلسطيني الذي يرى في حالة الانقسام أحد أكبر الكوارث الوطنية التي اصابت قضيته وهويته و ثوابته الوطنية خصوصا بعدما أثبتت الحكومة الإسرائيلية أنها تعادي الشعب الفلسطيني وكل قواه الوطنية وهي التي تهدد مجدداً وعلى لسان وزير الحرب الجديد ليبرمان بشن حرب جديدة ضد قطاع غزة لتضيف إلى الحروب الثلاث خلال الاعوام 2008 و 2012 و 2014 خلال الصيف الحالي، عبئاً ومأساة اضافية وهو خطر ماثل جديا اكثر من اي وقت مضى .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها