خاص مجلة القدس العدد 325 تحقيـق:مصطفى ابو حرب
منذ ستة عشر عاماً والرابطة الثقافية في طرابلس تولي أهمية كبيرة لوجود جناح دولة فلسطين ضمن فعاليات معرض الكتاب الذي تقيمه سنوياً في معرض رشيد كرامي الدولي. وقد دأبَت القيادة الفلسطينية في لبنان على إبراز الوجه الثقافي للشعب الفلسطيني عبر هذه النافذة الى المجتمَعين اللبناني والعربي تأكيداً للحضور الفلسطيني في كل المحافل، وحفاظاً على الهوية التراثية لشعبنا.
الحفاظ على الهوية التراثية
ينوّه أمين سر حركة "فتح" في الشمال، والمشرف على ترتيبات لجنة جناح دولة فلسطين، أبو جهاد فيّاض إلى أن الهدف من مشاركة دولة فلسطين في معرض الكتاب الذي تقيمه الرابطة الثقافية في معرض رشيد كرامي في طرابلس، هو لاثبات الحضور الفلسطيني في أي بقعة في العالم، وتحديداً في لبنان، وإبراز التراث الفلسطيني والثقافة الفلسطينية المتعدّدة الموجودة داخل المخيمات دلالةً على دورها الوطني والريادي في الحفاظ على كل ما يتعلّق بفلسطين فناً وكتابةً وتراثاً، وأيضاً للتشديد على التمسّك بحلم الدولة الفلسطينية الذي تأكّد في الأُمَم المتّحدة، لافتاً إلى أن هذه المشاركات تؤكّد أن فلسطين دولة موجودة أسوة بباقي دول العالم.
أمّا عن مشاركة دولة فلسطين بمواد تراثية في معرض الكتاب، فيقول فيّاض: "نحن نعلمُ أن هذا المعرض مخصّص للكتاب، وعليه فإنه واجب علينا إبراز دور الكُتّاب الفلسطينيين في الوطن والشتات، ونحن نعترف بأننا مقصّرون في هذا الجانب وسنعمل على تعويضه في السنوات القادمة -إن شاء الله- عبر دعوة عدد من الكُتّاب الفلسطينيين لتوقيع إصدارات لهم تزامناً مع افتتاح معرض الكتاب داخل جناح دولة فلسطين وعرض كتب ودوريات ومنشورات لكُتَّاب وشعراء وباحثين فلسطينيين".
ويؤكّد فياض أن "المشاركة في المعرض تأتي من باب المحافظة على التراث الفلسطيني وكل ما يمتُّ إلى فلسطين بِصِلة لأن العدو الصهيوني يسعى جاهداً كي ينسُب كل ما هو فلسطيني الى نفسه، ولم يكتفِ باغتصاب الارض، وإنما يهدف الى تهويد الثوب الفلسطيني والميجانا والدلعونا وحتى أنه ادّعى أن العديد من الأكلات الفلسطينية من تراثه المزعوم"، مضيفاً "لذلك فإننا نحرص على تواجدنا في أي مكان نستطيع من خلاله إبراز هويّتنا التراثية بكل تعدداتها لأن حربنا مع العدو الصهيوني منذ احتل ارضنا باتت واسعة وشاملة ومفتوحة".
وتابعَ "التمسُّك بالتراث هو تمسُّكٌ بالهوية، ونحن لن نغادر هويتنا النضالية ونعتبر المحافظة على تراثنا وثقافتنا كمَن يحمل البندقية ويعمل لصالح تحرير فلسطين، ومن هذا المنطلق نحرصُ على دعوة اهلنا في المخيمات وخاصة طلاب المدارس والجامعات لزيارة المعرض والاطلاع المباشر على التراث الوطني والثقافة الفلسطينية، ونحفزّهم لإقامة معارض صُوَر وتراث داخل المدارس والجامعات بما توفّر من مقتنيات في البيوت لابراز الحق الفلسطيني والتعلُّق بالوطن السليب".
إقبالٌ ملحوظٌ على جناح دولة فلسطين
ينوّه رئيس الرابطة الثقافية رامز الفري بالعلاقة التاريخية والطويلة منذ سنوات السبعينيات بين الرابطة الثقافية والشهيد الرئيس ياسر عرفات الذي كان يحرص على إقامة العديد من الأعمال الوطنية الفلسطينية في الرابطة الثقافية في مدينة طرابلس مردفاً "هذه العلاقة مع حركة "فتح" لم تنقطع، وما زالت متصاعدة عبر التعاون والتواصل بشكل دائم من خلال الندوات والامسيات السياسية والثقافية التي نستضيفها في الرابطة الثقافية في طرابلس، ونحن نعتزُّ بهذا التعاون ونعتبر أننا واياكم نحمل قضية واحدة وهدفنا واحد".
ويضيف "حين كان مقر معرض الكتاب في الرابطة الثقافية كان يهدف فقط الى عرض الكتاب ويقتصر على ثلاث أو أربع مؤسسات بسبب ضيق المكان، لذا انتقلنا في أوائل التسعينيات من الرابطة الى معرض رشيد كرامي لتوفير مساحات أكبر بهدف جذب اكبر عدد من المشاركين في المعرض من دُوْرِ نشر ومكتبات ومؤسسات تربوية وجامعية وهيئات ثقافية واعلامية وحتى دبلوماسية، وبرأيي فإن وجود أجنحة تمثّل دولاً وسفارات عربية انجاز في غاية الأهمية، وقد تواصلنا في بادئ الأمر مع من يمثّل دولة فلسطين في لبنان وكان هناك تجاوب تام من قِبَل مسؤولين في حركة "فتح" تجاه المشاركة في معرض الكتاب بجناح خاص تحت عنوان "دولة فلسطين" يشمل التراث الفلسطيني والاصدارات الفلسطينية، وما يتعلّق بالقضية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني، وكان الرابط المشترك بين الرابطة الثقافية وبين الاخوة في حركة "فتح" التذكير الدائم خلال أي نشاط يحصل في طرابلس في الرابطة او في المعرض بالقضية الفلسطينية لأننا نعتبر ان البوصلة الاساسية والقضية الام هي فلسطين وكل ما يجري في المنطقة من دمار وخراب الهدف منه حرف البوصلة العربية عن فلسطين الى مناطق اخرى، خاصة في ظل انشغال كل دولة بمشاكلها الداخلية والصغيرة ونسيانها قضيتها الام "فلسطين"، ونحن والاخوة الفلسطينيون على خط واحد سواء بالثقافة او بالانتماء والتربية،...".
أمّا عن تقييمه للإقبال على جناح دولة فلسطين، فيقول: "الإقبال على جناح دولة فلسطين واضح للعيان، وكل شخص يزور المعرض يرى حجم الاقبال على زيارة الجناح، وهذا بدون اي مجاملة. فالجناح مقصَدٌ للشُّبّان والشابّات وطلاب المدارس والجامعيين، ونحن نتعمّد على أخذ الصور للدعاية للمعرض من جناح دولة فلسطين بسبب أعداد الزوار فيه، وهذه الحشود تأتي لزيارة هذا الجناح بسبب الحنين والحب لفلسطين لأننا جميعاً تربّينا على القضية الفلسطينية وعايشنا المشاكل التي مرّت بها والاضطهاد الذي تعرّض له الشعب الفلسطيني. لذلك فأيُّ شخص يزور المعرض يلفت نظره هذا الجناح ويدخل ليرى المعروضات وأيضاً بقصد التعرف على الاشخاص الموجودين فيه".
وعن المعروضات يقول: "هناك عدد كبير من المعروضات منها ما يمثّل الأشغال اليدوية والحِرف الفلسطينية وشعارات ومجسّمات للقدس والاقصى وكنيسة المهد ورسومات ناجي العلي، وكل هذه الرموز نعتبرها من الرموز الاساسية في فلسطين، وبالتأكيد أي شخص يرغب باقتناء تذكار يجد طلبه هناك. ولكن كنتُ أتمنى لو كان في الجناح عدد أكبر من المنشورات الفلسطينية وبعض الكتب، والاصدارات لكبار الكُّتّاب والشعراء الفلسطينيين وخاصة أن تكون هذه الاصدارات غير موجودة في السوق اللبناني، ولكن التنوّع الموجود في جناح دولة فلسطين يحظى بإعجاب الجميع. ولا بد أن اضيف أنه منذ انتقلنا الى معرض رشيد كرامي شاركت في المعرض عدة سفارات منها سفارات العراق، وسوريا، والكويت وفلسطين، غير أنها بسبب الاحداث الامنية التي مرّت بها هذه المدينة في السنوات السابقة تجنّبت المشاركة في المعرض، باستثناء الاخوة الفلسطينيين الذين أصروا على المشاركة رغم كل الصعاب وكل الظروف الأمنية التي مرّت على هذه المدينة، خاصة أننا في بعض السنوات أقمنا معرض الكتاب في ظل جولات اقتتال وعنف بطرابلس، ولكنهم أصرّوا على المشاركة معنا وهذا الأمر يُقدَّر للاخوة الفلسطينيين من قِبَلنا".
إبراز الجانب الحضاري للشعب الفلسطيني
تشير السيّدة لطفية سالم، وهي مدرّبة تطريز وحياكة، إلى أن عملها في تعليم الفتيات التطريز إنما ينبع من دافع وطني بهدف الحفاظ على تراثنا الذي يحاول العدو سرقته واغتصابه وترويجه على أنّه صهيوني، معلّقةً "أنا في عملي كالمدرّب الذي يُعدُّ الفدائي من أجل استرداد الوطن السليب".
وتعمل السيدة لطفية مُدرِّبةً في مؤسسة "سيفينس" الاسبانية ومركز الانشطة النسوية في مخيم البداوي، ومشرفة على جمعية تطريز تعرض انتاجها في جناح دولة فلسطين كي تبرز الجانب الثقافي والفني والحضاري للشعب الفلسطيني.
وعن تطويع التراث للحداثة تقول: "نحن نقوم بتطوير التراث بما يتناسب مع النماذج الحديثة وهذا سر المهنة والذوق العالي لليد الماهرة للمرأة الفلسطينية كي نرضي كل الاذواق ونتماشى مع الموضة والحداثة"، وتضيف "العديد من أعمالي وصلَت الى ايطاليا واسبانيا، وقد افتُتِح محل في مدريد لبيع التراث ويعرض بشكل دائم التراث الفلسطيني، ونحن بصدد الإعداد لأعمال تراثية سنشارك بها في معرض خليفة في دبي، كذلك فقد اشترى أحد المغتربين في كندا كمية كبرة من أعمالنا".
أمّا عن الاقبال على جناح دولة فلسطين فتقول السيدة لطفية: "كل زوار معرض الكتاب يزورون جناحنا لأنه أولاً جناح دولة فلسطين، وثانياً لتميُّزِه وجمال معروضاته التراثية، واكثر الفئات إقبالاً على شراء القطع التراثية الشبان والشابات ومعظمهم يشتري الاكسسوارات الفلسطينية كتعبير عن الانتماء لفلسطين"، لافتةً أيضاً لقيام امرأة فلسطينية تحمل الجنسية الأمريكية بشراء قطع من تراث فلسطين لتبقى على تواصلٍ روحي وحسي مع الوطن الأم فلسطين.
من جهتها تقول المدرّسة زينة اشجي: "جئتُ من أجل الاطلاع على جناح دولة فلسطين في معرض الكتاب واكثر ما استوقفني صورة الشهيد الرمز ياسر عرفات.. تأملتها ملياً فوجدتها اصدق تعبير عن كل ما هو اصيل في فلسطين".
وتضيف "جناح دولة فلسطين مميّز بما يعرضه وتحديداً الثوب الفلسطيني والقطع الاخرى التي زُيِّنَت بالقطبة الفلسطينية بطريقة فنية وحرفية عالية تدل على ذوق راقٍ وحياكة متقَنة، وهو ما يدل بدوره على صدق الانتماء والتعلُّق والخوف على ضياع التراث الفلسطيني وهذه افضل طريقة للمحافظة عليه من السرقة والتهويد".
أما الصّحافي خضر السبعين، فيقول "هنا في جناح دولة فلسطين أجد نفسي وأرى وطني الذي رغم بعده الجغرافي عني الا انه يسكن في اعماقي"، ويردف "اللافت في معرض الكتاب هو جناح دولة فلسطين بالشكل والمعروضات التراثية والفنية والثقافية، لذلك أَزورُ جناح فلسطين كل عام كي اعيش حالة التواصل المباشر مع الوطن، وانا اليوم في الجناح كي اشتري بعض الاشياء والاكسسوارات التراثية لحفيدي كي يبقى على تواصل مع الحالة الوطنية التي تربّى عليها خاصة انه فلسطيني لأم جزائرية ومولود في بلجيكا، ولكنك إذا سألتَهُ من أين أنت يجيب دون تردد من فلسطين".
ويرى أسامة خليل صاحب مركز الناصرة للتراث والمشارك في جناح دولة فلسطين أن من واجبه الوطني أن يكون مشاركاً في جناح دولة فلسطين مشيراً إلى أن المشاركة في هذا الجناح كانت حلماً له نظراً لما يمثّله الجناح من بعد وطني والتزام نضالي، حيثُ يقول: "لم أتردّد لحظة عندما طُلِبَت إلي المشاركة في الجناح من قبل الاخوة في حركة "فتح" إسهاماً مني بإبراز الوجه الحضاري والثقافي للشعب الفلسطيني وما نعرضه اليوم يدل على مهارة واتقان وذوق فلسطيني عالٍ في إبراز التراث الفلسطيني".
ويشير خليل إلى أن الاقبال على جناح دولة فلسطين يعتبر الاهم، وذلك حسب احصاءات اللجنة المنظّمة، لافتاً إلى ما في ذلك من دليل على اهتمام الزوار بما يرمز اليه هذا الجناح من بعدٍ قومي ووطني ومن جمالية ما يتم عرضه وأهميته، ومشيراً لتنوع أذواق مُرتادي الجناح بين مَن يشتري قطعاً كبيرة ذات قيمة فنية ومالية عالية ومَن يشتري بعض التذكارات من الاكسسوارات التراثية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها