لا نقول ذلك من باب التمني، وإنما هي الحقيقة الجوهرية التي كرَّستها التجارب.
كل شعوب الأرض قاتلت وتحرّرت، لأنّ إكسير الحياة للشعوب هو الحرية، وروح الحرية يتجسّد في انتعاش القيم الاخلاقية، وتكريس مفاهيم المعادلات والمواقف الإنسانية. وما بُني على باطل فهو زائل، لأنّ الباطل يتآكل من جوفه فهو يفتقد إلى مقومات الحياة.
الاحتلال إلى زوال لأن من أسّسه وزرعه على أرضنا كان يجهل الحقائق الكلية، والحقائق الكلية هي التي تصنع التاريخ، وتروي جذوره في أرضٍ كل ما فيها يقاتل؛ إنسانها، ومقدساتها، وزيتونها، وترابها، ودماءُ أبنائها.
الخطأ الأول الذي ارتكبته الحركة الصهيونية ومعها الدول الاستعمارية كان اختيارها لأرض فلسطين المباركة من أجل أن تكون مرتعاً لشذاذ الآفاق من الصهاينة، الذين استخدموا اليهودية عنواناً لجرائمهم التي ارتكبوها في أرض الطهارة والسلام، أرض الانبياء والمعراج، مهد المسيح والقيامة، أرض خليل الرحمن أبو الانبياء.
وهنا كانت الخطيئة الأولى التي ارتكبتها قوى الشر والطغيان، عندما عملت على زرع نبتة الشيطان في أرض الرحمن، فلفظها التراب المخضّب بدماء الصحابة والشهداء، ومازال السجّان، ولذلك نؤكّد أنّ الاحتلال إلى زوال، وهذه حقيقة أثبتت صحتها الأيام.
الاحتلال الاسرائيلي ومنذ وعد بلفور في العام 1917 وحتى الآن فهو بممارساته وسياساته العنصرية والعدوانية يؤكّد أن هذا الكيان العنصري الصهيوني لن تقوم له قائمة على أرضنا، حتى لو امتلك القنابل الذرية والنووية، والطائرات والغوّاصات، ومهما وسّع الاستيطان، وسمّن المستوطنات، لأن الشيء الاهم والسلاح المهم الذي لا يستطيع امتلاكه هو القيم الاخلاقية والانسانية، وهي أساس البناء والاستمرار.
منذ البداية كانت الحركة الصهيونية تحفر قبرها بيدها، والكيان الذي أقامته على أرضنا هو كيانٌ هشٌّ وآيلٌ للسقوط، فهو قائمٌ على بحرٍ من دماء شعبنا، وركائزُه وقواعدُه خليط من رفات وعظام أجدادنا وآبائنا، وشهدائنا.
لقد اتضح عبر هذه السنوات الطويلة من الاحتكاك المباشر مع شعبنا، أنهم يجهلون طبيعتنا، ولا يقرؤون تاريخنا، وينطلقون دائماً من تاريخهم المصطنع والمُزوّر على أيدي قيادات صهيونية وأمريكية اعتادت على شرب دماء الشعوب الفقيرة من أجل الاحتكار والاستثمار.
بعد هذه التجارب الطويلة بكل ما فيها من حروب، ومجازر، وحصار، ودمار، بات عليهم أن يعرفوا بأننا لسنا الهنود الحمر، ولن نكون إلاّ شعب فلسطين. ومهما أمعنت الولايات المتحدة في اضطهادها لنا، ولحقوقنا التاريخية كشعب أصيل يعيش منذ آلاف السنين على أرضه المباركة، إلاّ أنّ الحقيقة أصبحت واضحة أمامنا، فالولايات المتحدة التي تربطها علاقات استراتيجية مع الكيان العنصري وتسعى إلى تمزيق الوطن العربي عبر ما يُسمّى الآن بالربيع العربي، والاستهداف الأول هو للقضية الفلسطينية لأنها هي قلب الأمة العربية، وهي القضية المركزية لهذه الأمة التي استكانت في يوم من الأيام للاحتلال الصهيوني الذي استفرد بالشعب الفلسطيني وأرضه، ومقدساته.
ورغم جبروت الولايات المتحدة، وهيمنتها، ورغم قيامها بتدمير دول بكاملها، وقهر شعوب آمنة وتهجيرها إلاّ أنها لم تستطع تركيع شعبنا الفلسطيني، وقيادتنا ظلّت هي الوحيدة التي تقول "لا" بوجه واشنطن مهما كلّف الثمن، قالها الرئيس ياسر عرفات رحمه الله بوجه كلينتون، واليوم قالها ويقولها الرئيس محمود عباس ابو مازن بوجه أوباما الذي أشبعه نتنياهو انصياعاً، واذلالاّ، وركوعاً.
هم يزوّرون التاريخ، ونحن نصنع التاريخ، ومن اراد أن يصنع تاريخ شعبه وحمايته ستكون رحلته صعبة وشاقة، وهكذا نحن ندرك ماذا ينتظرنا على هذا الطريق، طريق الجلجلة.
هم تاريخهم يقطر إرهاباً، ورعباً، ودماً، ومجازر. منذ أُرسلوا إلى أرضنا كي يكونوا وقوداً لمشروع استعماري صهيوني مهمته نشر الرعب، وتسعير الحروب، وتشريد وإبادة الشعوب، وإذكاء الفتن والصراعات. وما سجّله الكيان الصهيوني في تاريخه يفوق ما فعلته حكومة البيض في جنوب افريقيا. فهل تستطيع دولة أن تستمر في حياتها، وفي رقبتها مثل هذا السجل الهائل للجرائم والمجازر؟ وهل تستطيع دولة أن تقوم على جماجم الآخرين؟
فالكيان الصهيوني والجرائم صنوان لا يفترقان منذ البداية وحتى النهاية، ولا يمكنه غير ذلك.
فمنذ العام 1948 أقام دولته العنصرية على المجازر في دير ياسين، والصفصاف، وصلحا، والطنطورة، وكفر قاسم، وقانا، ولبنان طولاً وعرضاً، وفي كل بقعة من بقاع قطاع غزة، وفي جنين الصمود، ونابلس البطولة، ومدرسة بحر البقر المصرية.
الحضارة الصهيونية العريقة التي لا تقيم وزناً للإنسان ولا للإنسانية طوّرت مفاهيم حقدها على البشرية، وخاصة على الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق أمنيتها باقتلاع شعبنا من أرضه التاريخية، وتنفيذ خطتها في التطهير العرقي، والإبادة البشرية.
إنها اليوم تتعمّد ليس القتل فقط وانما إحراق الأحياء قبل قتلهم، وهذا قمة الإجرام بحق البشر، وهنا نتذكر ما لاقاه الطفل محمد حسين ابو خضير الذي تم خطفه في 2-7-2014 صباحاً وهو ذاهب لتأدية صلاة الفجر، ثم أُحرِقَ على أرض قرية دير ياسين بجوار القدس، ثم قُتِل بعد ذلك.
كما أننا وكل شعبنا والعالم كله لن ننسى جريمة إحراق أسرة دوابشة بكاملها حتى الموت داخل ألسِنة النار، وظلّ ابنهم أحمد على قيد الحياة بعد شهور من المعالجة، والجريمة تمت في قرية دوما قرب نابلس، وقام بها مجموعة من المستوطنين الحاقدين.
وهل ننسى المجزرة التي ارتُكبت في الشجاعية في قطاع غزة حيث جرى تدمير حيٍّ بكامله والمئات من الشهداء والجرحى، وعائلات بكاملها فارقت الحياة.
واليوم نعيش تفاصيل هبّة الأقصى، هبّة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وجرأته المتناهية واذا ما قرأنا وتابعنا تفاصيل القرارات والاجراءات العنصرية والاجرامية الاسرائيلية ضد شبابنا وشابّاتنا، وأهلنا، وهي إجراءات همجية وغير مسبوقة، وقد تجرَّأ العدو الإسرائيلي على اتخاذها، لأنه مطمئن بأن الأمة العربية منشغلة بالحروب التي خطّط لها، وافتعلها الراعي الاميركي الذي تلطّخت يداه بدماء شعوبنا، كل شعوبنا. من أجل ذلك سنّ الكنيست الاسرائيلي العديد من القرارات الجائرة التي وصلت إلى قرارات الاعدام الميداني:
أ‌. قرار إعطاء الحق للجنود بإطلاق النار، بهدف الإصابة، على كل فلسطيني تدور حوله شُبهة حسب تقدير الجندي. وهذا القرار أعطى الضوء الأخضر للجنود بارتكاب الاعدامات يومياً بدون أي مبررات، وسقط جرّاء هذا القرار العنصري الإجرامي عشرات الشهداء. وأصبح الوضع الحالي متفجّراً، وجمعيات حقوق الانسان تطالب بإجراء التحقيق في هذه الاعدامات.
ب‌. قرار هدم بيوت أهالي الشهداء الذين اشتبه الجنود بقيامهم بعملية طعن أو دهس أو غير ذلك. وهذا قرار جائر فإضافة إلى استهداف الشهيد بالرصاص وقتله يتم تدمير بيت أهله.
ج. قرار حجز جثامين الشهداء في الثلاجات، والقيام بسرقة أعضاء من أجسادهم، وعند تسليم الجثث يتم الاشتراط على الأهالي بعدم التشريح، وإجراء الدفن مباشرة.
د. والآن يتم دراسة مشروع قانون يقضي باستبعاد أي عضو كنيست يدعم الارهاب.  والمقصود هنا أن أي عضو كنيست يقوم بزيارة إلى أهالي الشهداء ويعزيهم يعتبره الكنيست إرهابياً ويجب طرده من الكنيست، وهذا تهديد واضح للفلسطينيين في مناطق العام 1948.
هـ. سعي الكيان الصهيوني إلى دولة يهودية على حساب الوجود الفلسطيني سواء في مناطق الجليل، والمثلث، والنقب، أو في أراضي الثمانية والاربعين.
و. الاصرار على الاستمرار في بناء الجدار العنصري الذي بات يفصل الكثير من المناطق عن جوارها، ويقسِّم الأحياء، ويعزل أخرى، ويشجِّع الاستيطان، والتهويد، والعمل الجاد على فصل القدس الشرقية عن باقي الضفة الغربية.
بالمقابل فإن الشعب الفلسطيني مؤمن بالنصر القريب، يتحمّل مسؤولياته بجدارة وأمانة فهو صاحب الانتفاضة الاولى، والثانية، وهو الأب الشرعي لهذه الهبّة الشعبية الرائدة التي أربكت المجتمع الاسرائيلي وجيشه، وأجهزته الأمنية. الهبّة الشعبية ومقاومتها الجريئة جاءت رداً واضحاً على العنصرية الاسرائيلية، وجرائمه اليومية، واصراره على الاستيطان والتهويد، ورفضه لأية حلول سياسية للصراع القائم، وإغلاق الجانب الإسرائيلي لكل آفاق العملية السياسية.
على الاحتلال الاسرائيلي أن يدقّق جيداً بما يجري حوله، صحيح بأن شعبنا يعاني تحت الاحتلال، ولكن على القيادة الاسرائيلية أن تعلم بأننا اليوم دولة تحت الاحتلال وعاصمتها القدس الشرقية بشهادة العالم.
ونحن اليوم أعضاء في المؤسّسات الدولية، وشعوب العالم تقف معنا وتقاطع البضائع الاسرائيلية. والعالم يدرك بأن الكيان الاسرائيلي هو كيان عنصري، لا يوجد فيه ديموقراطية، وانما هناك شعبٌ في خدمة حكومة المستوطنين والمتطرفين التي يقودها نتنياهو.
هم يسيرون إلى الزوال، ونحن نسير إلى الاستقلال.